لَيسَ البَلِيَّةُ في أَيّامِنا عَجَباً..
بَلِ السَلامَةُ فيها أَعجَبُ العَجَبِ
لَيسَ اليَتيمُ الَّذي قَد ماتَ والِدُهُ..
إِنَّ اليَتيمَ يَتيمُ العِلمِ وَالأَدَبِ ـ [ الإمام علي بن أبي طالب]

أن تمارس حبس شيء ما يلزمك أن تكون دائناً به وهذا الأخير مستحق الأداء وغير مملوك من ثالث.. !!
توجب الأحكام العامة لقانون الموجبات والعقود اللبناني بأنَّ وسائل التنفيذ لا يجوز للدائن استعمالها الا اذا كان حقه مستحق الأداء، وحق الحبس يعطي الدائن سلطة الإمتناع عن التنفيذ ما دام الفريق الآخر لم يعرض القيام بما يجب عليه.
إلا أنَّ حق الحبس هذا، يزول لزوال الإحراز لأنه مبنيٌّ عليه إذ لا يجوز استعمالال حق الحبس او المطالبة:
أ ـ في الأشياء التي لا يمكن أن تكون موضوع التنفيذ المختص بالمنقولات .
ب – في الأشياء المسروقة او المفقودة.
ج – في الأشياء التي يملكها شخص ثالث..

ماذا تفيدنا كل تلك النصوص تطبيقاً بموضوع الإمتناع عن إعطاء الطلبة إفادات مدرسية لأوليائهم..؟

إن وضع الطالب في المدرسة في أوان افتتاح المدارس لتعليمه هو أمر تقتضيه مصلحته وهو بحد ذاته مستعجل، هذا وإن تنازع حقين لا يستتبع بالضرورة منع القضاء المستعجل من التدخل واتخاذ التدبير اللازم كما عليه الموازنة بين الحقين المتنازعين وإعطاء الحماية للحق الاجدر بها وفقا لظاهر الحال، يحق الطالب بالتعلم وهو أسمى وأجدر بالحماية من حق المدرسة في استيفاء ديونها والزام المدرسة بإعطاء افادة مدرسية للولد حتى ولو لم يدفع الأهل كامل القسط المدرسي – ( قاضي الأمور المستعجلة في كسروان رقم 297 تاريخ 15/10/2009 مجلة العدل رقم 3 سنة 2010 صفحة 1317/1318)
وإن التلامذة عندما ينتقلون من مدرسة إلى أخرى يبرزون لإدارة الأخيرة إفادة تدل على مستواهم العلمي والصفوف التي اجتازوها لكي تتمكن من إلحاقهم بالصف المناسب. من هنا، فإن عدم إعطاء الإفادة قد يعذّر قبول التلميذ في مدرسة جديدة، ما قد يؤدي إلى حرمانه من التعليم الذي هو أحد الحقوق الأساسية الملازمة للفرد، وهذا ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمكرّس في مقدمة الدستور اللبناني وفي اتفاقية حقوق الطفل.
وبالتالي فإنه ليس هناك تلازم بين موجب ولي الأمر أياً كان وبين موجب الإدارة بتزويده بإفادة مدرسية، لأن موجب إعطاء الإفادة يقابله موجب الطالب بالحضور إلى المدرسة وتلقي التعليم. وطالما أن التلميذ حضر إلى المدرسة وأتم دراسته، فذلك يعني أنه قام بالموجب الملقى على عاتقه لهذه الناحية. وخصوصاً أنّ الإفادة تعطى عند إتمام العام الدراسي..
إذن من هو المرجع الصالح وظيفياً في حال تعنتت دور التعليم بإعطاء أولياء الأمور إفادات مدرسية وتحت أي ذريعة قانونية..؟
ينص قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني بأنَّ للقاضي المنفرد أن ينظر، بوصفه قاضياً للأمور المستعجلة، في طلبات اتخاذ التدابير المستعجلة في المواد المدنية…
وله بالصفة ذاتها أن يتخذ التدابير الآيلة إلى إزالة التعدي الواضح على الحقوق أو الأوضاع المشروعة.
وإن المعلوم فقهاً واجتهاداً أنَّ قاضي الأمور المستعجلة هو قاضي اليقين (Le juge de l’evidence) وهو، إذا كان له أن يحمي الحق الأجدر بالحماية، دون أن يعرف ودون أن يهتم لمعرفة من هو صاحب الحق في الأساس، فإن الحق الذي يقال عنه أنه الأجدر بالحماية، ليس الحق الذي يتراءى لقاضي العجلة أن الأرجح ثبوتاً، فمفاضلة دليل على دليل ليست من إختصاصه، بل هي من اختصاص قاضي الأساس فقط ولكن الحق الأجدر بالحماية هو الحق الجوهري أو الحيوي مقارنة بغيره، والواجب تأمينه ولو مؤقتاً في شتّى الظروف كحق امرئ بالمرور وصولاً إلى بيته أو متجره، وقد مُنع منه، أو كحقه بأن لا يُحرم من الماء مؤقتاً كي يشرب أو يغتسل، أو حقه بمنع المياه من أن تتسرب إلى منزله، إلى ما هنالك من حقوق حيوية مُلحّة، لا تحتمل الانتظار، فهي الأجدر بالحماية بطبيعتها، على أن يبقى لقاضي الأساس أن يقرر فيما بعد من هو حقاً صاحب الحق المنازع فيه، ولذلك، كانت قرارات قاضي الأمور المستعجلة مؤقتة، لا تتمتع مبدئياً بقوة القضية المحكمة. ( محكمة التمييز المدنية ـ الغرفة الأولى ـ قرار رقم 36 تاريخ 8 نيسان 1993 – )

أن تمتنع إدارة مدرسة عن إعطاء الإفادة المدرسية للطالب وإقدامها على حبسها للضغط على ولي أمره للدفع أو لغايات أخرى، هو عمل غير قانوني وينطوي على المسّ بحق الطالب بالتعلّم لا بل على سوء نية وإساءة استعمال حق من قبل إدارة المدرسة ، حيث أعطى الإجتهاد الحديث لقضاء العجلة الصلاحية للتدخل والحفاظ على حق الطالب الحلقة الأضعف والأجدر بالحماية في الحصول على إفادة مدرسية بشكل ملحّ خشية ضياع سنته الدراسية ما يؤثر سلباً على مستقبله وهذا مبنيّ على القانون و مكرّس بالإتفاق العالمي لحقوق الإنسان والطفل وفي مقدمة الدستور اللبناني.

إلجأوا للقضاء ولا تحتكموا للقدر