يُسجَّل أنه في حالة الإنكماش الإقتصادي في أيّ بلد، تكون كميّة النقود المتداولة محدودة، ولا تتناسب بالمطلق في سوق السلع والخدمات و كميّاتها المعروضة، وهنا على السّلطة زيادة إنفاقها لتعزيز الكتلة النقديّة والحدّ من فرض الضرائب والرسوم الجديدة، لا بل عليها خفض المعدّلات والنسب الضريبية وزيادة الإعفاءات بهدف خلق توازن وإستقرار في الأوضاع الاقتصاديّة.

إنه المبدأ، ولكن ماذا في حيِّز الواقع؟

يتبادر إلى ذهني قصة المستشار الدَّاهية إحدى القصص الشعبيّة التي تروي واقعيّة فرض الضرائب؛ ففي أحد الأيام دخل المستشار على مولاه ليجده غارقاً في تفكير عميق، فسأله عما يشغل باله ، فأجابه : أنا أريد أن افرض ضرائب جديدة على بعض البضائع في مملكتي بقيمة 10% وذلك بهدف تمويل خزائني التي تكاد أن تفرغ وينتهي ما بها من أموال وذهب، ولكنني أفكر في رد فعل الناس وكيف سيتقبلون ذلك ، فكّر المستشار قليلاً ثم ابتسم قائلاً : دع الأمر لي يا مولاي ولا تقلق تماماً .

جمع المستشار أعوانه وطلب منهم أن ينشروا في الأسواق شائعات بأن الحاكم سيقوم بفرض ضريبة جديدة على جميع البضائع بمقدار 50% فضجّ الناس واشتد غضبهم وأخذوا ينتقدون علناً هذا الامر.
وفي الأسبوع الثاني طلب المستشار من أعوانه تأكيد الشائعة الأولى، فأخذ الناس يصيحون بأن الفقر والغلاء سوف يصيب المملكة بالكامل،

عندها ذهب المستشار إلى الحاكم قائلاً: لقد حان الوقت يا مولاي أن تصدر الأمر بفرض الضريبة ودعني أعيد صياغة القرار .. كتب المستشار : “تلبية لرغبات شعبنا الكريم ونزولاً عند رأيه، فقد قرّرنا تخفيض الضّريبة لحدّ ال 12% فقط على السّلعة الواحدة ” .. حينها فرح الناس وتنفّسوا الصّعداء وأكثروا الثّناء والدعاء للحاكم الحكيم الذي راعى شعبه ولم يثقل كاهلهم بالضّرائب المرتفعة.

نعم إنها حكاية الذين يسعدون بمأساتهم ..
وإن استغربتم الأسلوب، إليكم بعضاً من نماذج الضّرائب التي فرضت عبر العصور على الشّعوب، بذات حنكة الدّاهية وأهدافه..
فتحت مقولة الأمبراطور الرّوماني فيسباسيان،” المال لا رائحة له ” الذي حكم روما بين عامى 69 و79 م، فرض ضريبة على استخدام المراحيض العامة.

هذا وفرضت الأمبراطورية البيزنطية قديماً ضريبة على “الهواء” يدفعها أصحاب المنازل الفخمة.

وفي روما القديمة كان العبد إن أراد شراء حريته، يضطر لدفع ضريبة لمالكه وهذه الضريبة تعرف باسم ” ضريبة العتق “.

والمعلوم أنَّ الحكومة البريطانيّة قد فرضت ضريبة على النوافذ، وكان يتم تحديد قيمتها بناءً على عدد النوافذ في كل منزل، مما دفع الكثير من المواطنين لتقليل عددها ما تسبّب بمشاكل صحية للسكان، فألغيت عام 1851.

في حكم إسماعيل باشا لمصر أوائل القرن التاسع عشر إستحدث ضريبة على الزواج، فلا يستطيع الرجل أن ينهي إجراءات زواجه إلا بدفعها، واستحدث أيضًا ضريبة أخرى على الأموات حتى يتم دفهنم، قدرت بخمسة شلنات ونصف.

و قد اشتهر خلال القرن السادس عشر بأن فرضت الحكومة الإنجليزية ضريبة على “ورق اللعب” بسبب ضروب الغش ونشوب خلافات بين اللاعبين وبقيت سارية حتى العام 1960.

و في العام 1660، فرضت إنجلترا ضريبة على المدافئ المنزلية، حيث تهرّب المواطنون بتخبئتها بأحجار وفي عام 1689، تم إلغاؤها بعدما اشتعلت النيران متسببة باحتراق نحو 20 منزلا.

في الأمبراطوريّة العثمانية ونظراً لأن كانت الخدمات الطبيّة المتعلقة بالأسنان مكلفة للغاية، فقد تم فرض “ضريبة الأسنان” على رعايا السلطنة لتمويل تكاليف علاجات أسنان كبار رجال الدولة.

في القرن السابع عشر، قامت جمهورية بشكيريا الروسية بفرض ضرائب بحسب لون العيون.

وفي عام 1705، فرض الأمبراطور الروسي بطرس الأكبر “ضرائب على اللحى”.

وفي عام 1784 تم فرض ضريبة على القبّعات في انكلترا ، ما دفع الناس لعدم ارتدائها.
كما فرضت هناك ضريبة على الجبن (مصدر كلمة جبان) تضمنت دفع المال من قبل أولئك الذين يرفضون القتال إلى جانب الملك الإنجليزي لأي سبب كان، استمرت الضريبة لحوالي 300 عاماً إلى أن تم التخلي عنها واستبدالها بأساليب أخرى لجمع المال من الجيش.

هل سمعتم يوماً ” بضريبة الغبار ” !! وقد فرضتها السلطات الأرمينية على جميع الأشخاص الذين يملكون شققاً في المناطق السكنية.

وماذا عن “ضريبة الشمس” التي تفرض التكلفة على جميع زوار جزر مايوركا ومينوركا وإيبيزا وفورمونتيرا، وتتراوح قيمتها بين دولارين و4 دولارات في اليوم المشمس.
لقد فرضت حكومة النمسا ضريبة على من يصاب بكسر ويتم تجبيره، وذلك بعد أن وصل معدل المصابين بالكسور إلى 150 ألفا من المتزلجين فى جبال “الألب”، فكانت إدارة الفنادق والمنتجعات السياحية تقوم بجمعها منهم مقابل توفير مستلزمات العلاج.

أمّا سلطات ولاية “كنساس” الأمريكية ففرضت ضريبة على “الوشم” وتبلغ قيمة تلك الضرية 6% من أجر دق الوشم
وفي “الدنمارك” و”المجر” تم فرض ضرائب على الوجبات السريعة والحلويات غير الطبيعية، وكل ما يتم تناوله دون فائدة للجسم، وذلك بهدف الحفاظ على الصحة العامة للمواطنين.

عام 1993، فرضت الحكومة فى مدينة “البندقية” الإيطالية ضريبة ” الظل” على التجار وأصحاب المطاعم والممتلكات التي تغطي ظلالها أجزاء من أراضي المدينة، مما دفعهم إلى هدم جميع ما يسبب تلك الظلال في ممتلكاتهم.
وفرضت الحكومة الألمانية ضرائب على الرشاوى حيث كانت الرشوة مشروعة في ألمانيا وتم إلغاء تلك الضريبة نهائيا عام 1999.
أمّا ” تسمية الأطفال” من أشهر الضرائب في السويد،
وبدأ فرض تلك الضريبة عام 1982، وكان الهدف منها منع السويديين من تسمية أطفالهم بأسماء أفراد العائلة المالكة، ثم تم تطوير القانون ليهدف أيضا إلى حماية الأطفال من الأسماء الغريبة.
في مصر تم فرض الضرائب على الرقص، إذ تساهم الراقصات في ملئ خزينة الدولة منذ عدة قرون.

عام 2009، أصدرت حكومة مقاطعة “هوبي” في الصين، قانوناً جديداً ينص على إلزامية تدخين السجائر تحت طائلة دفع غرامة حيث أن الصين كانت تمر خلال تلك الفترة بأزمة اقتصادية كبيرة.

عام 2010، قررت الحكومة البريطانية فرض ضريبة على كل منزل يمتلك تليفزيوناً، ويطلق على تلك الضريبة اسم ” رخصة التليفزيون “، وتبلغ قيمتها نحو 145.50 جنيه استرلينى على التليفزيون الملون، و49 جنيها استرلينيا على الأبيض والأسود، ويستخدم العائد من تلك الضرائب، والذى بلغ أكثر من 3 مليار جنيه استرلينى عام 2015، في تمويل هيئة الإذاعة البريطانية “BBC”.
في “غينيا” فرضت الحكومة ضريبة ” السلام ” ويقوم المواطن بدفع نحو 17 يورو بهدف إحلال السلام في الدولة.

يفرض على الرجال والنساء في اليابان، ممن تتراروح أعمارهم بين 40 و75 عاماً، قانون “Metabo” الشهير، وهو قياس محيط الخصر كل عام، وفي حالة تجاوزه (85 سم للرجال و90 سم للنساء)، يجب عليهم دفع غرامة.

وفي أستونيا هناك “ضريبة غازات الماشية” وغرض الحكومة منها محاولة منع تلوث الهواء، ومقدارها 5000 دولار، وتفرض على المزارع الإستونية الكبيرة التي تضم أكثر من 300 بقرة ذلك أنه عندما تهضم بقرة واحدة العشب، فإنها تنتج في المتوسط 350 لتراً من غاز الميثان و1500 لتر من ثاني أكسيد الكربون يومياً، ووفقا لتقديرات مختلفة، هذا يمثل من 15% إلى 25% من إجمالي انبعاثات الغاز في الهواء.

نعم إنها أمثلة عن غرائب بعض الضرائب.. ودهاء فارضيها..

أما اليوم وقد أُتخِمنا من الضرائب لخدمة العجز ومحاولة ملء الخزانة المثقوبة بغياب أيّ رؤية إنتاجيّة تنمويّة.. فغدونا بأحوج ما نكون لدواهٍ يعيدون تعزيز الكتلة النقديّة، ويفكّون الإنكماش الإقتصادي، ويطلقون عجلة الإستثمار.. حتى لا تبقى الضريبة قصاصاً ترعب المكلفين بها .
أعيدوا إرساء الإستقرار الإجتماعي للضريبة، حيث تُوظّف الإيرادات الضريبيّة لتأأمين الخدمات الإجتماعيّة بكلفة أقل، ما يعيد توزيع الدخل بين طبقات المجتمع.