لم أعد أرغب بكتابة القانون حيث الإعتكاف شلّ شغفي به، ولم أعد أريد تسجيل رؤيتي الإقتصادية حيث لا حول ولا قوّة.. بل سأنفخ بنفير ذاتي المنهكة حزناً على وطني..

” من يغامر بدخول الصّحراء لا يمكن أن يرجع أدراجه، ومادام التقهقر مستحيلاً، فلا يجب الإنشغال بشيء سوى بأفضل طريقة للتقدم والباقي بيد الله ، بما في ذلك الخطر” (من رواية ساحر الصحراء – باولو كويلو)

وها قد غامرتم على مدى ثلاثة عقود، وها قد أقحمتم وطننا وأدخلتموه صحراء الضّياع، صحراء الصفقات، صحراء التوطين المقنع، صحراء القيَم الضائعة والمبادرات الممسرحة ، والأعظم من ذلك كلّه نفيتموه في صحراء الجهل والإستخفاف بالعقول.

وطني كان وطن الحرف، وطن الإنسان، وطن الثقافة، فحوّلتموه لمجرّد جرفٍ قاريٍّ ملوثٍ بفسادٍ لزجٍ ..

أين وطني؟ أين ذلك ” المجد لما بينطال ” وقد راهنتم عليه، وسقتوه معصوب العينين لصحراء الرهانات الصفراء والبيوعات السوداء و السياسات الباهتة كأفكار من لا رؤى لديه..

أنتم .. نعم أنتم أيها الصّامدون في عروشكم ، أفقرتمونا هجّرتمونا وطّنتم غرباء في لبناننا، وقتلتم حقّنا بالعيش وأملنا بمستقبلٍ واعدٍ..

وما زلتُم تستفحلون، تَجوبون الأقطار، ” تشحدون” لجيوبكم بعدما أفرغتم جيوبنا، تبنون قصوراً شاهقة وتقتلون حلم شاب بمأوى لكيانه..!! فماذا فعلتم بالأمانة الوطنيّة.. وماذا بعد؟

أتعلمون ماذا أنتم فاعلون؟ أنتم كمن حرم زوجته وأبناءه نفقة القوت بحجة التقشف، ليذهب بالخفاء تحت أجنحة الليالي المريبة و يبذر أمواله على ملذاته..

أتعلمون ماذا أنتم فاعلون؟ كمن حزم أمتعته وسافر باحثاً عن وطنٍ جديد لأنه قليل الحيلة ولا يستطيع استثمار أرضه وزرعها ففضّل كالإبن الضّال أن يبيع سيادته ويصير أجيراً في مزرعة الخنازير، ليشتهيَ الخرنوب الذي تأكله ..
أتعلمون ماذا أنتم فاعلون؟ لقد بعتم بيوتكم للغرباء، ورحلتم تستجدون فوق أرصفة العالم الذي يسلّف ولا يعطي..
أتعلمون ماذا أنتم فاعلون؟ كمن تآمر على ذاته بذاته..كسفيه ذهب يتنزه في الصحراء القاحلة..
إحترموا عقولنا..