كانَ يَنقُصُ العَالم المُعاصِر، المُنهزِم بذاتِه، المُتَناحِر مع نُفوذِه، المُتخَم بأسواقِه، المَدين والمُقبِل على أزماتٍ إقتصاديَّةٍ حَتميَّة، أن يُصَابَ بوَباءٍ و كأنَّه طُوِّرَ لإفقَارٍ.. وباءٌ قد يقلبُ اللّعنَة على مُطلِقِها ولن يكتَفِ..

في الوَقت الذي يَنكبّ فيه العُلمَاء على فَكِّ شيفرة الـ covid -19 توصلاً لابتكار علاج شافٍ، وتتقاطع الإرشادات تارة لتتضارب في فهم حقيقة ما يُمكن للوباءِ أن يفتكَ به، يَجول في الخَاطرِ أسئلة تعيدنا

بالتاريخ لتكشّفِ مسبِّبات ” المَوت الأسود ” (الطاعون) في العام ١٣٤٨ م. وقد تحالفت حينذاك أربعة منها خلّفت عشرات الملايين من الوَفيّات ليفقد العالم ثُلث سكانه في غضون ستِّ سنواتٍ وما قد تبعها من اضمحلالِ أمبراطورياتٍ وظهورِ أُخرى .. لقد كانت جرثَومة، وجَدت مُضِيفاً حَيّاً وإمبراطوريّة منهكة، وبرغوثٍ خبيث. لولاها ما كان لذاك المَوت أن يَفتك ولا لتلكَ المُعادلةِ أن تَفرضَ ذاتَها.

أليست المُسبّبات هي ذاتها اليوم، مع اختلافٍ بشكل البرغوث ؟
فالبراغيث في الطبيعة طفيليّات خَارجيّة تتغذَّى على الدّمِ المُضيف، وتهاجم أيَّ مضيف (كائن حيّ) تستطيع امتصاص دمه.

إنَّه السِّينَاريو ذاته، سيناريو الإفقَار والإستِغلال، سيناريو الحَرب البيولوجيَّة المُفتَعلَة، سينَاريو امتصَاص ثروات الشُّعوب.. وما مقياس الفَقر إلا وَ بِهِ الجَواب الحَتميّ لكلِّ تسَاؤلٍ مَوبُوء، إنّه فَقر القُدرة المُقابل لمؤشر التّمنيَة البشريّة والمتوسّط المرجّح

لمؤشراتٍ ثلاث، تحاول تحديد شريحة البشر التي لا تتمتّع بهذه الخدمات الأساسيَّة، من التَّغذيَة الجيّدة – والصحَّة – والتَعليم ..

ألعلَّ الصحّة اليوم ” بيضة القبّان” لمؤشر الفَقر، فماذا لو كان فقرٌ في زمن الكورونا..!؟

لقد أطلق مؤشر ” بلومبرغ ” قِيَماً صَادمَة لتراجعِ ثَروات أغنى ٥٠٠ شخص في العالم منذ فاجعة ووهان بمقدار ٤٤٤ مليار دولار ..

فماذا عن ” المضيف” الذي يمتصّ الوباء دمه..؟، إنّها الشّعوب التي استبدلَت أنظمتها الإنتاجيّة بالريعيّة الهشّة، وأيُّ هلعٍ يُفقدها قِواها قَبل منَاعَتها، فتَنهارُ لمُجرّد وَهمٍ..

لقد كان للهلَعِ تداعياته السلبيّةِ على الإقتصادِ العالميِّ ككلّ، فقد هبطت معظم مؤشرات سوق البُورصَة والأسهم العالميّة، لينخفض مؤشر ” داو جونز ” الصِّناعي أيضاً لأكثر من ١٢ بالمئة، مشكلاً بذلك أدنى

انخفاض تلا أزمة الـ ٢٠٠٨ العالميّة، في حينِ يرجّح الخبراء الإقتصاديّون أن يتكبد الإقتصاد العالمِيّ خسَائِر قد تفوق الـ ١٦٠ مليار دولار أميركي لتكونَ أكبَر خسَارة يسبّبها وباء في عصرنا الحديث..

كل تلك المؤشرات ترفع الستار عن علميّة خلطٍ جديدةٍ لأوراقِ اللعبةِ ستسلك مسَارها، إنَّه النظام الجديد، نظام إعادة تركيز الثروات المنتِجِ لقوى جديدة سيعلنها ” انفجار ووهان الكوروني “، ومن يندهش لفكرة هذا الطرح فليراجِع المؤشرات الإقتصاديَّة والماليّة العالميّة لشهر ونصف مضوا..
ومن يعتقد أن ظهورَ الوَباء هو بدايَة التحوّل، مخطئ تماماً، فما ظهور الوباء في هذا التوقيت بالذات إلا نتيجةً لما انتهجته القوى الجديدة بحقِّ الشُّعوب، شُعوبٍ تفتقد لأدنى مناعتها الطبيعيّة تجاه الأزمات، شعوبٍ لم تعد تقوى على العيش دون تجرُّع الأمصَال الممنوحة لها لزوم الصُّمود، شعوبٍ قد يقتلها الوَهم قبل الوَباء وقد أفقرَها حُكَّامَها إلى أن حَان دور ابتلاعِهم في شَريعة البِحار..

لقد ولَجَ حدّية الأزمَة الإقتصاديّة، خطر وباءٍ لن تستطع أقوى الدول وأكثرها تقدماً من كبحِ آثاره .. فكان الإمتحان على التعاضد والوطنيّة والقدرة على إدارة الكَوارث والصُّمود في الأزمات.. ومن يصمد حتّى النِّهاية سيَخلُص ويحكُم..

إن صناعَة الطبّ، صِناعةٌ فاعِلةٌ عن مبادئٍ صادقةٍ، كما قال إبن رشد.. ولكن، ماذا لو كانت عن مصالحٍ تفوقُ حُدُود الدّوَل واستراتيجيَّاتٍ تتخطَّى الأدوات التقليديّة..؟، فإن لم يتَّضِح أنَّ هناك مُسبِّب، أفليسَ هناكَ من مُستفِيد..!؟