أن تعالجَ النتائج دون الأسباب، أن يكون شغل الحكومة ( حكومة الـ ” س”.. سَوف و سَوف ..) من سيدفع ثمن الانهيار، أن تكون فزلكة المالية العامة اقتراح قانون معجّل لوضع ضوابط استثنائية على بعض العمليات والخدمات المصرفية..ليتبين أنه “تنجيرة ” ولفلفة لا بل تشريع المرحلة التي بدأت منذ 17 تشرين الثاني 2019، وما اتخذ في خضمها من قرارات عرفية من قبل المصرف المركزي والمصارف التجارية العاملة. إنها ( الحكومة) تصب جهدها في الدفاع عن من كدّسوا الثروات و هرَّبوا الأموال،.. لا حماية أصحاب الرساميل والإيداعات ( حتى صغار المودعين) في النظام المصرفي اللبناني، أن يعيد القانون المقترح إطلاق يد حاكم مصرف لبنان لرسم خارطة هندسات جديدة، إنها جميعاً مقترحات جدية تعمل الحكومة على إقرارها بقانون معجل للملمة الفضيحة وقد يسرق ما تبقى من ثقة لا كما تنص أسبابه الموجبة.. إنه ” تمريقة ” لا بل حيف نيف من غوائل العصر والناس تستجمع ما تبقى لديها من عزيمة أنهكها الفقر و فوبيا الوباء ..

قَبل الغوصِ في مقترح وزارة الماليّة اللبنانيّة تاريخ 13 آذار 2020 ” لمشروع قانون معجل يرمي لتتظيم ووضع ضوابط استثنائية مؤقتة على بعض العمليات والخدمات المصرفيّة “، نودّ أن نترحّم على ما سبق واتخذ من إجراءات عرفية غب الطلب دون تقنين ودون عتاب شرعي..
وللتتمة..
بالرغم من نص الفقرة ” و ” في مقدمّة الدستور اللبناني على أنَّ ” النظام الاقتصادي حرّ يكفل المبادرة الفرديّة والملكيّة الخاصّة “، والذي يؤكد على أمرين: الأوَّل أنَّ النظام هو ليبرالي حرّ، وحتماً ليس الليبرالي الكلاسيكي حيث يُبعد تدخّل الدولة في الشأن الإقتصادي والإجتماعي، معتمداً على قوى السوق أي العرض والطلب، فالنظام اللبناني تبنَّى النيوليبراليَّة وفيه على الدولة أن تتدخل لحلّ بعض المشكلات التي يواجهها الإقتصاد .. نعم حلّ المشكلات: أي الأسباب وليس النتائج !!
الأمر الثاني الذي تكرسّه الفقرة ” و “، أنَّ النظام الإقتصادي الحرّ يكفل “المبادرة الفرديّة” ولا يكبّلها !!

لقد برَّرت وزارة الماليّة مشروع القانون السَّابق ذكره بأن ” الظروف الإقتصاديّة الإستثنائية التي يمرّ بها لبنان قد وضعت نظامه الإقتصادي في مواجهة الإستقرار النقدي والمالي ما أدى لتراجع الثقة الداخليّة والخارجيّة بالقطاع المصرفي اللبناني ”
إلا أن هذا المشروع فيه من الإستنسابيّة التي برَّرت اتخاذ المصارف للإجراءات العرفيّة بحق المودعين منذ 17 تشرين الثاني 2019 كما وتعيد إطلاق يد مصرف لبنان، لبناء هندساته تعويماً لأرباح البنوك على حساب خسائر المودعين وهضم رساميلهم حيث جاءت أسباب مشروع القانون الموجبة تفرض إيلاء مصرف لبنان صلاحيات محصورة ومؤقتة تجيز له وضع ضوابط على بعض العمليات والخدمات المصرفيَّة من ضمنها التحاويل المصرفيّة إلى الخارج وسحب الأوراق النقديّة بالعملات الأجنبيّة واللبنانيّة واستعمال البطاقات المصرفيّة في لبنان والخارج بشكل يؤدي إلى تنظيم العمل المصرفي خلال فترة الظروف الإستثنائية من خلال فرض موجبات على المصارف تحدد طرق التعامل مع العملاء بصورة متساوية بعيداً عن الاستنسابية .. ألا ينطبق على هذه الصلاحيات الممنوحة :” مين جرب مجرّب كان عقلو مخرّب !! ” أليس ذلك اعتراف من السّلطة بأخطاء مصرف لبنان كما واستنسابية المصارف وقراراتها الاعتباطية منذ ما قبل 17 تشرين ؟ دون أن تأتي بأيّة إجراءات قانونيّة لا بل جاءت تكافئ أصحاب المصارف بابتلاع أموال المودعين؟..

تفضّلوا.. ولكم الحُكم بتفاصيل مشروع القانون المقترح :

أبقى مشروع القانون لمصرف لبنان دور العرّاب الرئيسي لسلطة رأس المال النيوليبرالي، بعدما صار الحاكم رمز الإدارة الرشيدة التي تفتقدها مؤسسات القطاع العام فصار القطاع المصرفي المقصد الأوحد والمموّل للدولة و منقذ الإقتصاد من هولِ الإنهيار.
إذ يكون له صلاحية إصدار قرارات وتعاميم استثنائيّة مؤقتة تطبيقيّة لهذا القانون لكنّه لم ينصّ على حصريتها بل ترك الباب مشرعاً لسياسة المصارف لتجميع الأرباح ومضاعفتها حتى على حساب الائتمان النقدي.

لقد أضاف القانون تعبيراً جديداً هو ” الأموال الجديدة ” ما يعني أنَّ الأموال المودعة قبلاً أصبحت من ماضٍ عليه ألا يخرج للعلن، وكأنّه بقوله في نواحٍ عدة بوجود تاريخ مفصلي هو 17 تشرين الثاني 2019 يقطع الزمن على أمر مبهم إضافةً للتناقض الواضح في المفاهيم، تارةً بتحرير العمليات المصرفيّة الداخلية ليعود ويعتمد تحديد سقوف استعمال بطاقات الإئتمان في الداخل.

تحاول السُّلطة الماليَّة خلق استقرارٍ موهوم ، استقرارٍ فوق موج تقلُّبات سعر الصَّرف، الذي لم تأت على ذكر تثبيته أو تحريره مطلقةً العنان لوحوش السّوق القاتمة في ظل غض الطرف المقصود عن معالجة تلك المصيبة..

أيعقل أن يكون استعمال تعبير ” الأموال الجديدة ” وما تبعها من تدليع وترغيب في تحرير قيمها من أية قيود حتى من قواعد هذا القانون المقترح، يهدف لاستعادة المال المهرَّب للخارج وإعطاء صاحبه الفرصة الجديدة بتهريبه وإخراجه من النظام المالي والنقدي اللبناني عند أي نكسة جديدة؟ إنه امتياز محتمل فهل من مقصد واقعي بين سطور القانون القترح..

لقد قُيِّدت حركة تحويل الأموال للخارج دون مبرِّرات لسبب معيشي أو تعليمي أو استشفائي أو إنفاقي مُلحّ، بالنسبة للنقود القديمة واشتُرط نسباً معينة كما وتبرير رسمي لإخراجها.. أمَّا المستهجن في تلك القيود هو عمليات تمويل استيراد المواد الغذائية والمواد الأولية للقطاعات الإنتاجية حيث ربط الإستيراد بتوجيهات الحكومة ” التي ترى إن كان من ضرورة لتشجيعها ضمن خطَّتها للنهوض بالإقتصاد الوطني “، ضاربة بذلك المبادرة الفرديّة في صَميمها ما يجعل الإقتصاد الرَّازح مُسيَّراً لا موجهاً وخاضعاً لاستنسابيّة السُّلطة، كما سُلِّطَ القطاع المصرفي بتخصيص تمويل الإستيراد بنسب لا تقلّ عن 0.5 % من مجموع الودائع لديه ما ربط زيادة الإستيراد بمؤشر زيادة الإيداعات، وهذا أمر مخالف لأبسط قواعد تشجيع الإستثمار لا بل جاء يحفِّز الريعيَّة و تسلّط البنوك من جديد وتحكُّمها بالإقتصاد الوطني.

لم نرَ في هذا القانون ما يعيد الثّقة بالقطاع المصرفي اللبناني لا بل جاء يحسم الشكَّ باليقين، في أنَّ القطاع قد أفرغ من العملات الأجنبيَّة مبقياً فقط على عمليات التحويل والشكات المودعة بالعملات الصَّعبة عبر الإيفاء الرقميّ مقاصةً.. فلم يعد بالإمكان البتّة قبض الشكات المحرّرة بالعملات الأجنبية نقداً على شبابيك المصارف !!

أما في ما خص عمليات إيفاء قروض التجزئة المعقودة بالعملة الأجنبية أي القروض الإستهلاكية وخطوط الإئتمان المتجددة الإستهلاكية والشخصيّة والقروض السكنية.. يمكن أن يتم بالعملة الوطنية على أساس سعر الصرف الرسمي المنوط تحديده بمصرف لبنان شرط أن لا يكون للعميل حساباً بالعملة الأجنبيّة لدى المصرف المعني فحينئذٍ يستعمل لتسديد قيَم الأقساط والدّفعات، فلا يمكن للعميل سحب وديعته بالعملة الأجنبية في المصرف الدائن أو حتى تحويلها لمصرف آخر قبل تسديد القرض وهذا تشريع يعطي المصارف حق فسخ عقود الإقراض من طرف واحد واستحقاقها دون التقيد بالنصوص القانونيّة كعقود متبادلة يلزمها موافقة الجهة المقترضة علماً أن القروض مؤمنة بتأمينات عينيّة ورهون منقولة ..الخ، إنه حقاً لزمن عجيب..!!

لم يُبقِ هذا القانون لمن أثبتت التجارب والممارسات المصرفيّة بحقهم، أي أملٍ ولا ثقةٍ، لم يتوقعوا غبناً أجزل ولا عزاءً تقليدياً لموت رحيمٍ، بل كانوا ينتظرون نوعاً من الإجراءات المحفّزة تكفل مبادراتهم بدل نسفها.. وفي الوقت الذي كنا فيه منهمكون بالصمود وإيجاد دورٍ آخر في حياتنا، علينا انتظار ثلاث سنوات كمدّة سريان لهذا القانون لا نعرف خلالها ما يحدث لنا ولودائعنا وللأمل الباقي..
.إنه مشروع قانون غير دستوري، ويفترض في حال إقراره وجوب إبطاله لدى المجلس الدستوري، لمخالفته أحكام الفقرة “و” من مقدِّمة الدُّستور اللبناني.