إبَّانَ زيارته لإبنه في بلاد الإغتراب التقى أحد العرب برجلين من جنسيتين مختلفتين، دار بينهم حديث عدَّد فيه كلُّ واحدٍ مزايا بلدِه متغنياً بالرَّفاه وحقوق العيش الكريم، و في خلاصَة الحَديث :
قال أحدهم نحن في بِلادنا لنا حقوقٌ وامتيازاتٌ مكرَّسة في شَرعنا تُطبّقها السُّلطة فلا تجدَنَّ محتاجاً إلا و وَصَلَه قوتَه اليَومي وعلاجه الكامِل لدرجة أنَّ رئيس البلاد وفي زيارته الدَّورية للسُّوق الشعبية التقى بمتسوِّلٍ يستعطي فأمر معاونه بإغاثته وقدَّم له بيتاً ومعاشاً شهرياً من خزانة الدولة..
إستَلم الرَّجل الآخر الحَديث متغنياً: نحن في بِلادِنا كلُّ الخدماتِ مؤمنة بالمجَّان من تعليمٍ وطبابةٍ وضماناتٍ وسكَنٍ، حتى أن أحد جيراني المسنِّين في المحلّة بعد أن توفِّيت زوجته وبَات وحيداً أقلّته السّلطات لمنتجعٍ يلقى فيه الإهتمام والرّعاية والسّلوى، كي لا يَشعر بالوِحدة و الكآبة..
أُصيبَ العربيُّ بالذهولِ لما سمعه من الرَّجلين عن تَرَفِ الحياة، واهتمام سُلطَتي بلديهما بشؤون المواطنين، و قبل أن يُحرَجَ بالسؤال، أطلق العَنان لشَجَاعَة وجهِه قائلاً : لو تعلمان ما حدث في بلادي من مَكرمَة لأحد الفقراء ستتمنيان العيش عندنا..!! هنا ثارت حفيظة الأجنبيَّين وبادرا معاً بالإلحاح على العربي إخبارهما عن تلك المَكرمَة..!!
فرك الرَّجل جَبينه، ونظرات الحَيرة باديةٌ في عينيه مستجمعاً أفكاره قائلاً في قرارة نفسه ” أَبَا خُرَاشَةَ أَمَّا أَنْتَ ذَا نَفَرٍ فَإِنَّ قَوْمِيَ لَمْ تَأكُلُهُمُ الضَّبُعُ، وهذا البيت للشاعر العباس بن مرداس يخاطب أبا خراشة.. ومعناه ” إن كنت كثير القوم، وكنت تعتز بجماعتك فإن قومي موفورون كثيرو العدد لم تأكلهم السَّنة الشَّديدة المجدبة”.
وعاد العربيُّ فتنهَّد، و حَكَى : إسمَعا، في بلادي استيقظَ أحد المسؤولين ذات يومٍ من نومه، نظرَ من نافذةِ قصره الحصين في المنطقة الخضراء ، رأى فقيراً يجمع العشب من حديقة القصر فنادى الحرس ليأتوا به والتحقيق معه.. وبعد أن قصَّ الفقير حالة بؤسه على أحد الحرَّاس وأنه يجمع العشب ليقيت جوعه، ما كان من ذلك المسؤول بعد أن رَوى له حارِسه حقيقة الوَضع، إلا واستصدر له مَكرمَة بمنحِه ” ترخيصاً بالرَّعي في كافَّة أرجاءِ البلاد..!! “