القيَم، هي مجموعة الفضائل الدينيّة والخلقيّة والاجتماعيّة التي تقوم عليها حياة المجتمع الإنساني، والمبادئ التي تساعد الفرد على التمييز بين الحق والباطل، وتلهمه للتصرّف في المواقف المختلفة
هي مصطلح يعبًر عن سير المواطنين جنباً إلى جنب وحرصهم على العمل معاً في إطار سعيهم لتحقيق أهداف واحدة تتلخص في تعزيز مفاهيم عدة مثل الوحدة، والعمل الجماعي، والنجاح، ونمو البلد وازدهاره على كافة الأصعدة..

اليوم، وقد بتنا نتمسك بسلوكيّات أنانيّة، ذات نفعٍ فردي لتحقق رغبات ظرفية مؤقتة لا تتعدى حجمها، غير أنها تصبو بالخطأ لمستوى الخطيئة الوطنيّة.. إحداها عملية المضاربة على سعر العملة المحليّة وإفقادها أولاً وأخيراً عامل القيمة والإبراء والثقة المطلقة..تمهيداً لتخزينها وتجفيف السّوق.. وتشييع أجواء الفقر كنوع من المؤامرة ضد الذات.

قبل الغوص في مفاهيم المضاربة وسلبياتها الخطيرة أقصُّ روايةً شعبيّة تعطي مثال السّلوك، وتظهر حجم المعضلة..
دعا أحد الملوك أبناء رعيّته لاحتفال في مناسبة عامة مشترطاً أن يجلب كلُّ منهم قنينةً من النبيذ لوضعها في الخابية الموجودة بمكان الإحتفال..
قال أحدهم في قرارةِ نفسه : طالَما أنَّ الجميع سيجلبون النبيذ سأملأ قنينتي ماءً ولن بيِنتبِه أحد لذلك..
بدأ الإحتفال، وكانت المُفاجأة عندما سكَبَ المَلِكُ أوَّل كوب، تذوقها، ليجد أنَّ الخابية مملوءة بالماء..!! أحدٌ لم يجلب نبيذاً.. !!
الجميع تخاذل..الكلُّ تواطأ.. إنها قصّةُ وطنٍ تآمر على ذاته ..!! قصّة الرهان على المشاركة الواهية في عملية خلق النقود التي هي من إختصاص المصارف عامّةً، ولكن تحقيقاً للربح الآنيّ السّريع نمى مفهوم المضاربة على العملة الوطنيّة كمربح سريع، دون إدراك أبعاد تلك المرابحة، لا بل هذا الرهان على المدى الطويل بالنسبة للنقد، والإقتصاد بمجمله، لتطال السلبيّة كل أفراد المجتمع حيث الجميع سيشارك في مأدبة فارغة بمجرّد سراب بائد..
أكبر خطيئة انتهجتها السّلطات النقديّة منذ أحداث تشرين الفائت تمثلت بنقل السّوق الأساسي من يد المصارف إلى يد الصيارفة المضاربين، حيث يتم ضخّ الدولار من خلالهم فيستأثرون و يتحكّمون باللعبة، إنه السّوق العشوائي ( ما أسموه بالسوق الموازي) الغير منظم حيث لا رقابة ولا إمكانية لمعرفة وجهة العملة التي تُضَخّ في هذا السوق..
ما أرسى مفهوم المضاربة في السوق بين المصارف والصيارفة وذكاء اللبناني و فطنته بالإستفادة من فرق الصرف بين الأسعار الثلاثة ( السعر الرسمي وسعر الصرف الفعلي وتسعيرة المنصّة التي وجدت عن قصد تعزيز مفهوم المضاربة كحقنة مهدئ موضعي) .

فما هي المضاربة وما انعكاساتها..؟

إنَّ المضاربة بالعملات الأجنبية يكمن أساسها بالمراهنة المتداولة على الإستفادة الظرفيّة من ارتفاع أسعار أزواج العملات ( ما بين الدولار الأميركي والليرة اللبنانية ) أو انخفاضها، إذ يتاجر المتداوِل بالعملات والأصول المالية الأخرى دون أن يمتلكها بالفعل.
يهدف المتداول للحصول على فرق الأسعار بين نقطة فتح الصفقة ونقطة إغلاقها، ولكنه بالغالب سيخسر فروقات الأسعار من الصفقة لدى الخروج منها..

يظنّ معظم المضاربين أنهم في حال شراء الدولار مقابل العملة الوطنية مثلا، بأنَّ قيمة ودائعهم ستصبح بالدولار وهذا خطأ فادح.. فالمضاربة ليست صرافة عادية بهامش ربح ومخاطرة أقل، حيث أن المتداول سيتاجر فقط بمبلغ المال الذي يمتلكه.

في حين تأخذ المضاربة أعلى نسبة من المخاطرة. فافتقاد المضارب سبل المعرفة يتكتيكات أسواق المال وسرعة تقلباتها بخاصة وأن اللاعب محلي فذلك كله يفتح طريقاً سريعاً للخسارة.

لقد خسرت وحدة النقد الوطنيّة كسلعة، بسبب المضاربة المحليّة وأزمة الثقة وشلل القطاعات الإقتصاديّة،مركزها في سوق العملات حيث تدهورت مستويات تداولها بيعاً وشراءً في هذا السوق ، فألمّها الإنكسار الحاد، والمفاجئ بمستوى الطلب مقابلةً مع مستوى العرض، ما أرسى تداعيات سلبيّة خطيرة، خاصة بتراجع قيمتها تجاه عملة التحويل الدولية والقوة الشرائية..

قد يسعى المضاربون نحو الإثراء وهو رهان تكمن المخاطرة في طياته. لكن الأهداف في لبنان تخطت حدود الاقتصاد لتدرك المستوى السياسي كطبيعة عمل وورقة ضغط على مستوى القرار الوطني.

ولكن هل ساهمت المضاربة وحدها كممارسة في ضرب وخفض سعر صرف العملة الوطنيّة؟

هناك في السوق من ليسوا بمضاربين لكنهم يتأثرون بسلوكهم ويخشون على قيم نقودهم التي يمتلكونها بالعملة المحليّة فيلجأون لشراء العملة الصعبة فيستغلهم المضاربون للحين ، ولكنهم لا بهدفون لإعادة البيع وتحقيق الربح بل فقط الحفاظ على القوة الشرائية لأرصدتهم النقديّة ما يخفض من الطلب على العملة الوطنيّة بل يزيد عرضها مقابل زيادة الطلب على العملة الصعبة، لينخفض بذلك سعر صرف العملة الوطنية.

نعم، إنَّ المضاربين يمارسون الوهم و يمنحون الإقتصاد الوطني الرازح مزيداً من الضعف على مستوى قيمة النقد ومزيداً من التضخم على مستوى حجمه، وفي النّهاية يشربون ممّا عصروه، ليكونوا آخر ممولين لاستهلاكهم في نظام إقتصادي مقفل و هزيل ، رافعين أسعار سلعهم الإستهلاكية بفعلهم الشخصي، ليس هذا فحسب، بل أن قيمة الرّبح الذي عوَلوا عليه سيحدد بذات عملة حساب التداول أي العملة المحليّة أما حساب خسائرهم فبالعملة الصعبة.. نعم إنها مأساة من يتواطأون ضد ذاتهم بذاتهم..