كان مَوسِماً فائِضاً بالخَير على أبي سَعيد، وفي أمسيةِ صيفٍ زاره في قريته الوادعة قريب زوجته فأخبره بما تعرضه البنوك من فوائد على الودائع..
حارَ الرَّجلُ بأمرِهِ وشرع يحتسب أرباح تشغيل عائدات موسمه ساهداً منتظراً بزوغ الفجر ليقصد المدينة فالمصرف نحو فرصة العمر الواعدة..
في هجعة أحلامه البعيدة، نهق حماره المَرسُونِ في قبوِ منزله البسيط قاطعاً عليه نشوته.
ماذا سأفعل بهذا الأتان؟ قال في قرارةِ نفسه:
غداً سأصبحُ من الأثرياء، أيليقُ بي أن أركَبَ حمار بَعد..؟!
أأتركه عِندي فيزدادَ حَمَرٌ (تُخَمة تعتري الدابَّة من أكل الشَّعير ) وأصرف نقود مرابحتي جزافاً !!
وفي جولة أفكاره المغررة، تذكر جدّه في أوائل كانون حيث كان قبل نزوحه للمدينة يقتاد حميره عند ملتقى النهرين ويتركها هناك في مرجٍ شبه جزيرة حصينة لا تقدر أن تهرب من فيض المياه وترعى حتَّى الرَّبيع.. طلع الصَّباح، جهّز أبو سعيد نفسه نحو المدينة قصد “المعلّم شفيق” صاحب سيّارة الأجرة ليقلّه..
قضى أبو سعيد حاجته، ومذَّاك الحِين ما عاد ليغدو باكراً، لقد استهوته رُيوع الفوائِد السَّهلة فبَارت أرزاقه..
مرَّت الشّهور وتوالت الأيّام لتمرّ البلاد بأزمةٍ اقتصاديّة حادّة امتنعت معها المصارف عن ردِّ إيداعاتِ زبائنها وانهارت قيمة العُملة..
أيقن أبو سعيد أنّه خَسِر جنى أحلامه وكدّ عُمره، وأنَّ لا ضَير له إلا والعودةَ لأرضِه وزرعِها.. تذكّر حمارَه في مُلتقى النَّهرين !!
قَصَد المكان فلم يَجد أثراً..
عادَ أدراجه رازحاً من التَّعب والغضب في قلبه، بندب حظّه التَّعيس وفي طريقه التقى بفلّاحٍ يسقي زرعَه فسأله : يا جارُ ألديك حمار للبيع ؟
ـ ضحك الفلاح مستهزئاً ، وهل بمقدورِك دفع ثمنه؟
ـ ماذا تقصِد ؟
ـ إنَّ ثمن الحمار أصبح عشرة ملايين ولا يمكن إيجاد حمار للبيع أصلاً !!
احتسب الرجل قيمة أمواله كاملةً.. فَبَكى.. وقال: لا ليس هو الحمار، بل أنا من استأتَن..( مثلٌ يُضرب لمن يَهُون بعد عزّ