كَربٌ أم مُصِيبَةٌ أم نازِلَةٌ أم وَاقِعَةٌ أم حَادِثَةٌ أم فَاجِعَةٌ أم نائِبَةٌ أم نَكْبَةٌ، ماذا عسَانا نصنِّفُ ما أدمَى أفئدتنا على بيروت الحبيبة..
إنه اليوم المَشؤوم، تاريخ الرابع من آب ٢٠٢٠، حين تزلزلت الأرض و ما اهتزَّت ضمائِر الأشرار، فكانت المأسَاة التي زادَت رَزاحَة الفقر باقتصادٍ ما عاد يقوى على النّهوض.
وما بين هَولِ المُصيبة، وتقاذُف التِّهَم وكثرة الفرضيّات، صعدت الرأسماليّة الغربيّة، تغسل يديها وتبرئ ذممها الضامنة لأيّ خسائر منت أصحاب الحقوق المضمونة،
إذ وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانفجار بأنّه “هجوم”، ليقول خلال لقاء مع الصحفيين في البيت الأبيض ” يبدو أنه هجوم رهيب.. إن مسؤولين عسكريين أميركيين يعتقدون أن انفجار بيروت هجوم بقنبلة من نوعً ما (رويترز) ”
لم ينتبه اللبنانيون المفجوعون بهول مصابِهم لِما حيك في تلك اللَّحظة ضدَّهم، و هُم الرَّازحون تحت وطأةِ الفقر و حدّة الأزمة النقديّة.
إنها الواقعة القانونيّة التي أعلنها الرئيس ترامب ليكرّس مبدأ إعفاء شركات التأمين والمعاد التأمين لديها ـ حيث تكون إعادة التأمين، بذلك الذي تشتريه شركة التأمين من شركة تأمين أخرى لتفصل نفسها قدر الإمكان عن خطر المطالبات الكبيرة، أي أن تدفع شركة التأمين جزءاً من أقساط التأمين التي تحصل عليها من المؤمن عليهم لشركة إعادة تأمين تضمن لها في مقابل ذلك جزءاً من الخسائر، فإذا وقع الخطر المؤمن ضده لجأ المؤمن عليه إلى شركة التأمين التي تدفع له تعويض علي الخسارة، ثم شركة التأمين بدورها تطالب شركة إعادة التأمين بدفع جزء من التعويض حسب الاتفاق المبرم بينهم.ـ
وبذلك يحمي الشركات الوطنيّة والمتعدِّدة الجنسيَّة من تغطية الإنفجارات والأحداث الأمنيّة فنظريّة الهجوم تعفي تلك الشركات من موجب ضمان الأضرار والخسائر الماديّة والبشريّة نحو مزيد من الإفقار و تقويض الإقتصاد اللبناني.
إنَّ معظم شركات التأمين في لبنان تعتمد عقد الإذعان ذاته مع عملائها لإبرام عقود التأمين، كتلك الضامنة للسيّارات والممتلكات الخاصة كما ومجمل المؤسسات الفرديّة والشركات التجاريّة ، فعادةً تشمل عقود الضمان تأمين السرقة والحريق وكافة الحوادث المصنَّفة “غير أمنية”، لتستثني تغطية الأضرار الناجمة عن التفجيرات والأعمال الإرهابية.
وهذا المبدأ قد أرساه قانون الموجبات والعقود اللبناني
حيث نصت المادة ٩٦٩ على أنه :” لا يكون الضامن مسؤولا عن الهلاك أو الضّرر الذي تحدثه حرب خارجيّة أو حرب اهلية أو فتنة أو حركة قومية، ما لم يكن هناك اتفاق على العكس.
وعلى الضّامن إقامة البيِّنة على أنَّ الهلاك أو الضرر ناشئ عن أحد هذه الأسباب. وكلّ نص يوجب على المضمون إقامة الدليل على أنَّ الضّرر أو الهلاك غير ناشىء عن أحد الأسباب يكون باطلاً.
وحتى أنَّ قانون التجارة البحريّة نصَّ في المادة ٣٢٩ منه
على أن: ” يتحمل الضامنون مخاطر كل هلاك وضرر يلحق بالاشياء المضمونة من عاصفة وغرق وتنشيب على البر وتصادم وارساء جبري وتغيير جبري للطريق وللسفر وللسفينة والطرح في البحر والحريق والانفجار والنهب والضرر الذي يسببه البحارة قصداً والسرقة وعموما كل الطواريء والحوادث البحرية. ليست مخاطر الحرب الأهلية أو الخارجية على عاتق الضامن.
واذا حصل اتفاق مخالف فيكون الضامن مسؤولا عن كل الاضرار والهلكات التي تلحق بالاشياء المضمونة من اعمال عدائية واعمال ثأرية وتوقيف وضبط وارهاق من اية حكومة كانت صديقة ام عدوة معترفا بها ام غير معترف بها وعموما من كل الطواريء والاعمال الحربية الجبرية. على ضامني المخاطر العادية ان يثبتوا الخطر الحربي”.
إنَّ عقود الضمان أو التأمين هي من عقود الغرر contrats aléatoires أي أنه يمكن الإستفادة منها في حال قيام الواقعة، في مقابل احتماليّة عدم الإستفادة منها، لذلك فعلَى المتعاقد طالب التأمين معرفة موضوع تغطية العقد الذي يوقّع عليه، ومتى وكيفيّة وحدود استفادته من تلك التغطية.
إذن فتغطية أخطار الحرب هي من البنود الإضافية للتغطيات المعقودة، فشركات التأمين تغطي المخاطر المحتملة وفي حالات الحرب (كما والإعتداءات الأمنيّة) ينحرف الواقع نحو المخاطر غير المحتملة ما يمنيها بخسائر فادحة..
وعلى سبيل المثال فعقود التأمين على السيارات لا تشمل تغطية أضرار من التفجيرات أو الأعمال الإرهابية، والحروب، إلا في حال طلب العميل إضافة هكذا بند ضامن، ما يرفع تكلفة البوليصة أضعافاً.
ولكن ماذا عن الصندوق العربي لتأمين أخطار الحرب
INSURANCE RISKS WAR ARAB SYNDICATE
إنَّ هذا الصندوق المنشأ عام ١٩٨٠ يهدف لتغطية متكاملة ومناسبة وسريعة لأخطار الحرب والأخطار السياسية الأخرى لشركاته الأعضاء. حتى بالنسبة للسفن حيث يشترط أن تكون السفينة حاملة علم أحد الأقطار العربية، أو أن تعود ملكيتها أو إدارتها الى شخصية طبيعية أو معنوية عربية أو الى حكومة عربية، أو أن تكون ذات مصلحة فيها. وللصندوق قبول الأعمال بالنسبة للسفن الأخرى التي تبحر في المنطقة المذكورة أو خارجها.. ولكن اشترطت المادة الخامسة من اتفاقية التأسيس على الشركات الأعضاء أن تصدر وثائق التأمين الخاصة بالأخطار التي تسندها للصندوق وفق الشروط والأسعار التي يحددها هذا الأخير الذي يوجب في مادته الثانية عشر عقد إتفاقيات خاصة بإعادة التأمين تنظم علاقة الصندوق بالشركة المنتسبة ، أي ما خلاصته
أنَّ تغطية أخطار الحرب يلزمها عقد منفصل أو بند صريح في عقد التأمين.
أمام واقع احتمالية عقود الغَرَر، و شروط الإذعان التي تحكم هذا النوع من العقود ، يقبع المتضرِّر أسير ما مُني به من خسائر وأضرار التفجيرات والحروب، ليبقى الحلّ اليتيم تدخّل الهيئة العليا للإغاثة واستنزاف الخزانة العامّة مقابل إثراء قطاع التأمين الخاصّ (المملوك غالباً من المصارف) حيث يكمن الشيطان في تفاصيل العقود..لذا جاءت نظريّة الهجوم تُعفي شركات التأمين من موجب الضمان..