كان رامحٌ فضولياً يدأب التدخّل في شؤون الآخرين، لقد صُبغت شخصيّته بتلك الظّاهرة الإجتماعيّة والأخلاقيّة، همّه مراقبة تحرّكاتِ الآخرين، والتفوُّه بملاحظاتٍ ربّما تعدُّ ساذجة مع معاتبة لاذعة لهم.
إنَّه ذلك الرَّجُل الذي نصَّب ذاته فهيماً حكيماً يسدي المشورة، يوجّه النّصح لغير طالبه حول الأنسب والأحسن والأجدى والأكثر نَفعاً.. وهو العقيم المستغِلّ..وما أدراكم عن نزعةِ الفُضولِ تلك !!، فأصحابها يمتلكون دوافع مكبوتة كحاجتهم إلى التّقدير الإجتماعي، والإنتماء. يشعرون بالفشل، والنّقص.. فيحاولون فرض حاجتهم على الآخرين، ولا يستطيعون التمييز بين الأشياء التي ينتمون إليها والأشياء التي ينتمي إليها الآخرون. إذ يمتلكون رغبة غير شعوريّة بالتفوُّق والسَّيطرة عليهم. ..ذاتَ يومٍ، نمى إلى علم رامح أنَّ جاره أبا جميل يريد صنع مَشحَرة (مَفحَمة) بعدما راقبه لأسبوعين يشذّب أرضه السّليخ ويقتطع البرّي منها ليستصلحها.
ثارت حفيظته، وكيف السّبيل لاقتحام مشروعه دون أن يفتَضح عدم خبرته بصنعِ الفَحم ؟! فكّر مليًّا ليجد المبرِّر الأنجع لخطّته تلك، نزل إلى بُستانهِ الرّميم، التقط حطبةً يابسةً حملها على كتفهِ متوجهاً لعندِ جارِه، وما إن وصَل لبيدره قال: ” يا بو جميل..!! حُطلّي هالعُود مَعَك بهالمَشْحرة..!! ”إنها خصائِلُ من يُعانون من نَقصٍ في النُّضجِ الإنفعالي.. فضوليُّون حتَّى فيما يقدّمونه لأوطانِهم.. !! ولو بغيرِ حطَبَة