اِستَوصَى المُشرِّع وتواصَى بإِيصاءٍ، أَوصَى بموجبِهِ أَوصَياءَ الدُّول بأن يَتَوَصّوا به.. إنَّه مَجلِس واصَا باشَا الذي عَادَ من كُتُبِ التَّاريخ، وحُكْمِ المتصرّفيّة.. نعم لقد كان هذا المجلس واعداً بالإصلاح راغبًا في تحسين أحوال لبنان بلعب دوره المَرسوم له، محافظًا على استقلاله الذاتي وكرامة أبنائه، مانعًا قناصل الدُّول (كأيام المتصرفيّة) من التدخُّل في شؤونه..
غير أن كل التَّوصيات نسَفَت جهوده، وأغرقت ولايته بالضَّياع فعمّت الفوضى وانتشرت الرَّشوة ( وفق ما تطلعنا وسائل الإعلام بتقاريرها اليوميّة)، كما صار عليه الأمر أيام وصاية واصا باشا، فقد ازداد التدخل الأوروبي في شؤون المتصرفية أكثر من ذي قبل واستَطيبوا التحاصُص الذي وجدوا له سبيلاً، وهذا ما ألبسه اتهامات الفساد.. نعم، لقد كان السَّبب الحقيقي في انهزام ذلك المتصرِّف انتهاج المسؤولين في دوائره المُحاصَصَة، وصرف النّفوذ والزبائنيَّة، غبَّ تفشي الفساد في مجلسه وولايته، والرُّكون للتوصيات حيث وجب اعتماد القوانين.. ما أثار غضب القانونيين للتهاون بالحقوق والتغاضي عن العدل.. ولكم أن تقرأوا التاريخ، وكيفيَّة اعتماد الحكومة العثمانية نظامًا مغايراً للقضاء.. بمحاولةٍ لإضعاف استقلاليّته، وإرهاق اللبنانيّين..
لقد خَيَّب ” مجلس واصا باشا ” المُعاصر كل آمال اللبنانيين وخالف الأسُس القانونيّة.. “ناس بسمن وناس بزيت”، فأقصى ما رشَح عنه في أوجّ التعطش للقونَنَة والتشريع والإلتزام بمعايير المحاسبة، حفنة ” توصيات تشريعية وقرارات نيابيّة..!!”، أطاحت بجهود الفقهاء الدستوريين أمثال جيزو Guizot و بلغرينو روسي Pellegrino Rossi .. و إنَّ تغاضيه عن تشريع قانون ملزمٍ في وقت تُثار فيه بلبلة عقيمة تضرب سمعة البلاد، أرسى إلى وضع المسؤولين اللبنانيّين إزاء التدقيق المالي فالمحاسبة الوظيفيّة، بمقام ” الشركاء الموصين” في شركة التَّوصية ومن لا يعلم عن تفاصيل هذا النوع من الشركات: إنها شركات تجارية يكون فيها جزء من الشّركاء يُسَمُّون “بالموصين” لا يُسهمون في الإدارة ولا يُسألون عن ديون الشركة بخلاف شُركائها المفوّضين الصغار العاملين الذين يمارسون التّجارة ويُسألون عنها كامل المسؤوليّة..
في الأنظمة البرلمانيّة عامةً، يحق للسُّلطة التشريعيّة التدخّل في شؤون السُّلطة التنفيذيّة في إطار مفهوم الفصل والتعاون الوثيق بين السُّلطتين، ليكون النِّظام البرلماني وسطياً بين النظامين المجلسي والرئاسي.. على قاعدة المرونة في التدخل بين السّلطتين التشريعيّة والتتفيذيّة. إلا أنَّ الدّساتير الدوليّة تُعَنوِن مجالات التدخل وتحددها في مفاهيم العمل التشريعي للسلطة التشريعيّة (المجلس النيابي) لتكون محصورة : باختيار رئيس الدولة، وبتوجيه الأسئلة للوزراء واستجواب الحكومة، كما وتشكيل لجان تحقيق برلمانيّة، ويمكن لها تفويض السّلطة التنفيذيّة صلاحيّة التشريع أي تصدير المراسيم الإشتراعيّة، كما تختصّ بالموافقة على الموازنة العامة للبلاد التي تعدّها السُّلطة التنفيذيّة، والموافقة على السّياسة العامّة (مشروع عمل الحكومة) وتصديق المعاهدات الدوليّة، وأيضاً قد توكل بعض الدساتير للمجالس التشريعية محاكمة أعضاء السلطة التنفيذيّة.. أما أن يُصدر المجلس النيابي ” قرارات ” فهذا أمر غير دستوري أقلّه في نظامنا الدستوري اللبناني..!! وأما بَعدُ.. فتَواصَوْا بِالصَّبْرِ.