التجار، بعد وعود أكبر من المبتغى، تبقى الأسئلة المحيِّرة التي تطرح اليوم: هل للمنصّة تأثير فعلي على خفض سعر صرف الدولار؟.. وما هو الدور المرسوم للسوق من خلالها، في ظلّ غياب التشريع الذي يعقد صلاحيّة المصرف المركزي بإنشائها؟.

في تعريف بديهي لوظيفة المنصّة الإلكترونية، يتبيّن أنَّها إحدى المَراهِم المُسكِّنة أو البِدَع النقديّة التي اشتهر بها حاكم المركزي إذ أنّها من ضمن ما يعرف مسمّيات الهندسات الماليّة وخلافها، شراءً للوقت وتأجيلاً لإعلان الإنهيار الكبير، و ربّما إجراء ما قبل قرار وقف الدعم وتشرييع “سعر صرف رسمي” بالسوق السوداء واعتباره رويداً رويداً أمراً واقعاً بعد عبور الحاجز النفسيّ لتحرير سعر الصرف.

أما بالنسبة لماهيّة المنصّة الوظيفيّة، فتكمن بوضع مرتكز repaire جديد لشراء الدولار حاجة السوق، حيث لا زالت قيمة صرفه المعتمدة في البنوك حتى الساعة لتمويل بعض العمليات بـ ٣٩٠٠ ليرة، أما عند إطلاق عمل المنصّة المزمعة، فقد سُرِّب من مصادر نقديّة رفيعة، أنه سيتمّ اعتماد قيمة الـ ١٠ آلاف ليرة لبنانيّة (كسعر وسطي).و وفق منهج حسابي بسيط، سيتخطّى سعر الصرف الحاجز ( النفسي، الوهمي، السياسي، وتحت أي مسمّى مبتَدع ) ليصير سعراً حقيقيّاً وللإيضاح أورد الواقع المُسَاق:

في ٢١ نيسان ٢٠٢٠، أصدر مصرف لبنان التعميم الرقم ١٥١ الذي أتاح للمودعين إجراء عمليّات السّحب من المصارف من أرصدة الدولار، أو أي من العملات الأجنبية، بما يوازيه بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر السوق المُعتمد في المنصة الإلكترونية لعمليات الصرافة، والمحدَّد بـ ٣٩٠٠ ليرة للدولار. وقد سبقه التعميم ١٤٨، الذي سمح بسحب الدولار على أساس سعر ٢٦٠٠ ليرة (بمؤشر ٣٠٠٠ ليرة في السوق الموازية آنذاك).

لقد كان التعميمان المذكوران قد هدّآ من روع المودعين الذين هاجموا بمرحلة ما بعد الثورة فروع المصارف و ما نتج عنها من عمليات تخريب وامتعاض موظفي الفروع حيث كان لهذين التعميمين أثر حقنة التخدير الموضعي..
اليوم و بعد أن مدَّد مصرف لبنان بمرحلة أولى مهلة السحب بالدولار على مستوى ٣٩٠٠ ليرة حتى نهاية آذار ٢٠٢١، فقد عاد و أصدر بتاريخ ٢٤ آذار ٢٠٢١ تعميماً قضى بتمديد القرار الأساسي رقم ١٣٢٢١، لغاية ٣٠ أيلول ٢٠٢١.
ما يعني واقعياً تأجيله للأزمة وإعطاء فرصة مريحة لدرس حتميّة إطلاق منصة بتسعيرة جديدة.

أمام هذه المشهديّة المبعثرة هل يمكن القول بأن إطلاق المنصّة الإلكترونيّة الموعودة سيكون له تأثيرٌ مباشرٌ على تعديل القرار الأساسي رقم ١٣٢٢١، كما و بالتالي التعميم ٢٠٢٠/١٥١ الذي أوجب على المصارف تنفيذ السحوبات بشأنها حسب تسعيرة المنصّة الجديدة أي بحوالي (١٠ آلاف ليرة مقابل الدولار)..؟؟

سؤالٌ، ستبقى الإجابة عليه رهن الواقع المفروض.. حيث إجراء العمليات الجراحيّة المرتقبة ( رفع الدعم مثلاً)، قد يلزمها تخديراً عاماً إذ لا يمكن للتخدير الموضعي أن يوقف الأثر النفسي السلبي.
أي بمفهوم آخر لا تخفيض لسعر الصرف، بل تشريع لسعر السوق الموازي.

من يبحث عن الحلول الجذريّة لاقتصادنا الوطني يعلم تمام المعرفة أن ” الحلّ الخلاص” يكمن بإدخال الدولار الطازج للسوق اللبناني.
فهذا السوق الذي ينقصه تمويل يومي يقدّر بـ ١٢ مليون دولار لا يمكن للمنصّة المموّلة على طريقة “أبو عنتر في السجن” سدّ تلك الحاجة قط، فبالعكس تماماً إن اعتمدت على احتياطي المركزي للتمويل ستساهم بإخراج العملات الصعبة من نظامنا الإقتصادي المحلّي (لتمويل الإستيراد والإستهلاك) مع الأخذ بالإعتبار إنحدارنا الجهنّمي، و إن تمويل المنصّة بالعملة الصعبة لكبار التجار والصيارفة سيكون له ذات النتيجة التي سبق للمركزي أن أفرغ إحتياطه عبر مدّ الصيارفة لا البنوك بالنقد الأجنبي.
عندئذ، فالتفلت سيكون واقعاً حكماً و الحاجة ملحّة لإحياء السوق الموازي بسعر صرف أعلى حكماً..( قد يكون مرحليّاً ٦٠ بالمئة زيادة عن مستوى سعر المنصّة)

من المسلَّم به أنَّ التشريعات النقدية تحدِّد اعتماد أسعار صرف، فتكون : إمّا حرَّة، وإمّا حرَّة مُدارة، وإمّا حرَّة مُدارة بطَريقة وَسِخة (Dirty float)، و في كل تلك الحالات المسؤول عن هذا النظام أو ذاك يكون المشرِّع و ليس سلطة الحفاظ على النقد ( المصرف المركزي) هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن تعدُّد أسعار الصّرف في حال وجدت، هو أيضاً من وظيفة المشرِّع.

فمن أين جاء الحاكم بكل هذه السُّلطات التي تخوّله إعادة توزيع الثَّروات بطريقة استنسابيّة تُحابي فئات إقتصاديّة من ثروات غيرها. ولنا فيما حصل في استنساب تهريب الرساميل والودائع، خير دليل على ما وصلنا إليه، إذ أقام حلف الحاكم و جمعيّة المصارف وكبار المتنفّذين، باجتراح capital control إنتقائي إستنسابي قائم على محاباة فئة الواحد بالمئة في لبنان، فيما منع غالبيّة المودعين الساحقة من التصرف برساميلهم.

المنصّة كسابقها من هندسات يفترض بحد ذاتها أن تكون ذات طابع حقوقي جَلَل، إلا أنَّ ما تمَّ فيه تمييز بين الأفراد والوحدات الإقتصاديّة على قاعدة الأكثر نفوذاً وهي مسألة تتعلق بحَوكَمَة العمل المصرفي و بقواعد الإمتثال وستجرّ عاجلاً أم آجلاً الوبال على الحاكم الجامِح والمصارف الفاجرة والمتنفذين الفاسدين.. ولكم في قادم الأيام كثير العِبَر.