بلاد هجينة، تقع بين مفترق طرق المصالح الدوليّة، وُضِعَت على خط النار فوق صفيح ساخن. أرادوها مُحْتاجةً مُعْدَمةً مُعْوَزةً ذَلِيلةً، لِنُكرَه على بيعها خردة.
من تستهويه كتب التاريخ ييقن في مطالعاته أن اتساع فوارق الطبقية الإجتماعيّة نجم عن فشل الدولة (بمفهومها العام) لأسباب جمّة كجموح التَسَلُّط، وفيض الزَعَامَة، وسَطْوَة السُلْطان، وتعاظم الصَلاَحِيّة، وتعدد القِيادَة، وفرط النُفُوذ ما أدى إلى ازدياد ضحايا الأزمات الإقتصادية دون معالجة، سواء بالعمد أو بالإهمال..
مأزق أُدخِلنا في لُجَّتِهِ دون مناعة ودون تحسُّب.. فأظهر عقم السلطة وفشل الدولة..
هذا الفشل، إِذَا مَا شِئْتَ وَصْفَ نَوَالِهِ حَدِّث وَلاَ حَرَج عَنِ الطُّوفَانِ..!!
في العام ٢٠٠٥ حددت منظمة (FFP) Fund For Peace خصائص الدول الفاشلة حيث تمثلت بالتالي :
١ـ فقدان سيطرة الدولة على أراضيها أو جزء منها، أو فقدان إحتكار الإستخدام المشروع للقوة والسلطة داخل أراضيها.
٢ـ تآكل السلطة الشرعية، لدرجة العجز عن إتخاذ قرارات موحدة.
٣ـ عدم القدرة على توفير الخدمات العامة.
٤ـ عدم القدرة على التفاعل مع الدول الأخرى كعضو كامل العضوية في المجتمع الدولي.
بالمقابل كان قد اعتبر الباحث السياسي “ماكس فيبر Max Weber” (١٨٦٣ـ١٩٢٠) أنه من الممكن أن تكون الدولة ناجحة وأن تبتعد عن معيار وخصائص الدولة الفاشلة عن طريق المحافظة على احتكار الإستخدام المشروع للقوة والسلطة داخل أراضيها، دون السماح لجماعات مسلحة أو أمراء الحرب أو أي تنظيم مسلح من السيطرة على أي جزء داخل الأراضي، بحيث تبقى الكلمة الفصل والسلطة للدولة وحدها”.
ولما كان مفهوم الدولة تبعاً لوظائفها الأربعة:
ـ إحتكار القوّة وفرضها على الجميع،
ـ إحتكار العدالة وفرض سلطة القانون،
ـ فرض وجباية الضرائب وإدارة المرافق العامة،
ـ التفرد بإقامة العلاقات دبلوماسية مع الدول الأخرى والمؤسسات الدولية..
يؤسس حتماً لحماية كيانها واستقرار مواطنيها والحفاظ على مقدّراتهم ونتاج فكرهم وعملهم. أما أن يراد ضرب كافة مقومات صمود شعب و اعتماد سياسة تخلّفه وإفقاره فذلك يعبر عن ضعف الدولة واهترائها لحد زوالها.
نعم تلك هي البلاد الهجينة كما تقدّمنا بالقول، ومن يتساءل عن وصف الهجين ليدرس بيولوجية بعض المخلوقات التي يراد من تناسلها ميزة معينة بالذات.. فالهجين مثلاً في سلالة الخيول يستخدم على الأغلب في الجر والنقل، وعمل المناجم وحمل الأمتعة.
وطنٌ قُتلت فيه المبادرة الفردية أمام سطوة الإحتكار واضمحلال القدرة الشرائيّة.. وطنٌ أصيب دستوره بالصميم، وسرقت مدّخرات شعبه وجناه فسقط القناع عمّا تميز به من قطاع مصرفي متين.
ما حدا بالمودعين بحسب تأثيرات الإقتصاد السّلوكي (Behavioral economics)، لاعتماد نظام “الفراش دولار” (والفراش ليس تعريب كلمة طازج.. بل المُتَّكأ أو الوساد الكبير الذي يُمدّ فوق السرير للنَّوْم عليه). هذا المفعوم الذي يدرس القرارات الإقتصادية والمالية للأفراد والمؤسسات كتقاطع بين علم الإقتصاد وعلم النفس.
كذلك الأمر باعتماد سياسة توفير الوقود والطاقة..
وأمام فشل دور الدولة الراعية لا بل انعدام سلطتها حتى في السياسة وغرقها في أزمات وكروب، بتنا اليوم أمام حاجة ماسة لتغيير سلوكياتنا الإقتصادية وأمسينا بحاجة للعقلانية في طروحاتنا ومطالبنا، عقلانية نتصرف فيها كصانعي قرار لا كإرضائيين يبحثون عن الحل المرضي بدلًا من الحل الأمثل للتاقلم مع مصائبنا الطارئة..
فهل يغرّنا بعد اقتصاد سلوكي يزيدنا افتقاراً حتى إلى قيمنا..؟!