في خضم الجنون المطبق الذي هيمن ولم يزل على قرارات حكومات الإصلاحات التخريبية.. حكومات كان بالحريّ بها أن تُفَرمِل الإنهيار بمكان ما، وأن تلعب كلَّ أوراقها بغية فرض منطق المؤسسات، لا اعتماد سلوكيات أدت إلى نشوء أزمة رباعية الأوجه إقتصادية مصرفية مالية ونقدية، كما وانتهاك المعايير الاجتماعية حيث لم تعد أدوات الدفع الصادرة عن المصارف أدوات إيفاء بل مجرّد ديون إحتمالية غير قابلة للتصرف بها، فقِيَمها الحقيقية تدنَّت عن قيمها الإسمية المصدرة. وفي ظل الإجراءات الهشّة، أثبتت مقولة تشرشل الشهيرة ” إذا كنت ذاهباً نحو الجحيم فتابع المضيّ ” واقعيتها وإطارها الفعلي، وإنَّ ما حاول المشترع اللبناني بعيد أزمة بنك إنترا تلافيه قد يعيده التاريخ مجدداً إلى الواجهة بسبب ما انتهجته البنوك وما وقعت فيه من مآرب ساقها إليها المصرف المركزي مكرهاً من طغمة سياسيّة فاسدة ابتغت تعويم ذاتها على حساب عرق الناس.. هل نحن أمام معضلة وشيكة ستقدم عليها المصارف التجاريّة تفضي إلى توقفها عن تسليم فُتات الودائع !؟.. وما هو الإطار القانوني الذي يحكم هذا التوقف ؟ لقد أوجد التشريع “الإفلاس” نظاماً قانونياً يحكم وضع التاجر المتوقف عن دفع ديونه في مواعيد استحقاقها، وهذا النظام يسري بإشهاره بمقتضى حكم قضائي تبعاً لقواعد نظمها القانون التجاري كفل بموجبها حقوق الدائنين لتحصيل حقوقهم في إطار الأموال التي يملكها المفلس حيث ترفع يده عن إدارة أمواله والتصرف بها حماية لحقوق الدائنين. يختلف الإفلاس عن حالة العجز المالي أو الإعسار التي يمكن أن يقع فيها أي شخص مدين بدين مدني حيث القواعد القانونية تكفل حقوق دائنيه في ملاحقته والحجز على ممتلكاته والإشتراك في هذا الحجز.. إذاَ الإفلاس يختلف عن الإعسار، كونه يهدف لحماية الإئتمان في المجال التجاري كما وتحقيق المساواة بين الدائنين بإقرار ما يسمى بالتصفية الجماعية لمصلحتهم.. فقانون التجارة اللبناني أوجد نظام الإفلاس والصلح الواقي وقد طبقهما على التجار أفراداً أو شركات بحسب ماهيتها وطبيعتها كشخص معنوي ، وقد أبقى المصارف خاضعة لهذا النظام العام حتى حدوث أزمة بنك إنترا عام ١٩٦٦، إذ رأى أن المصرف يختلف وضعه عن أي تاجر آخر سواء كان شخصاً طبيعياً أو معنوياً، ذلك أن المؤسسة المصرفيّة بحد ذاتها تؤثر على الإئتمان العام ومصلحة المودعين والثقة التجارية لارتباط المودعين والمساهمين والعملاء والدائنين والمدينين والتجار ومختلف فئات المجتمع بها لتشعب وتفرع خدماتها حيث يكون لإشهار إفلاسها طبقاً للقواعد العامة أثراً سلبياً على كل هؤلاء لارتباطهم الوثيق بها وما قد يستتبع إعسارهم وربما إشهار إفلاسهم تباعاً.. لذلك فقد أقر المشترع اللبناني نظاماً خاصاً يرعى توقف المصارف عن الدفع بالقانون رقم ٢ / ١٩٦٧ الصادر بتاريخ ١٩٦٧/١/١٦ وتعديلاته التي أخضعت لأحكامه مختلف المصارف اللبنانية وفروع المصارف الأجنبية العاملة في لبنان. والهدف من هذا القانون مساعدة المصرف المتوقف عن الدفع على معاودة نشاطه قبل تصفيته وإبعاد كأس التصفية عن ذمته. وسنداً للقانون، وفور ثبوت توقف أحد المصارف التجارية عن الدفع يترتب على حاكم مصرف لبنان أو المصرف بذاته أو أحد الدائنين أن يطلب من المحكمة المختصة ( محكمة المركز الرئيسي للمصرف اللبناني أو فرع المصرف الأجنبي) تطبيق أحكام هذا القانون على المصرف المذكور. في حال تقديم الطلب للمحكمة المختصة من قبل مصرف لبنان عليه أن يعلم بذلك وزيري العدل والمال وذلك في حال: ١- أعلن المصرف بنفسه توقفه عن الدفع ٢- لم يسدد ديناً مترتباً عليه لمصرف لبنان عند استحقاقه. ٣- سحب شكاً على مصرف لبنان بدون مؤونة كافية. ٤- لم يؤمن المؤونة الكافية لتغطية رصيد مدين ناتج عن عمليات غرفة المقاصة. وهنا فإن مصرف لبنان مقيد حصراً بالحالات الأربع المذكورة آنفاً لتقديم طلبه وللمحكمة حق التقدير بأحقية طلب المصرف المركزي والتدقيق به قبل الحكم وهي بذلك تتأكد من مركز المصرف المالي ويمكنها منحه مهل للإيفاء وتسوية وضعه. لكل دائن أيضاً ان يطلب من المحكمة المختصة تطبيق أحكام هذا القانون في الحالتين المنصوص عليهما في المادة ٤٨٩ من قانون التجارة، إذ “يعتبر في حالة الافلاس كلّ تاجرٍ ينقطع عن دفع ديونه التجاريّة، وكلُّ تاجرٍ لا يدعم الثقة الماليّة به إلا بوسائل يظهر بجلاء أنَّها غير مشروعة. كما ولكل مصرف أن يطلب من المحكمة المختصة تطبيق أحكام هذا القانون عليه في الحالات المنصوص عليها في المادة ٤٩١ من قانون التجارة التي تنص على أنه يجوز أن ترفع القضية الى المحكمة بتصريح من التاجر نفسه ويجب عليه ان يقوم بهذا التصريح في خلال عشرين يوما من تاريخ انقطاعه عن الدفع والا استهدف لارتكاب جنحة الافلاس التقصيري وعليه ان يودع في الوقت نفسه موازنة مفصلة ومصدق على كونها مطابقة لحالة موجوداته والديون المطلوبة منه. للوهلة الأولى قد يتساءل البعض ما جدوى إصدار المشرع نظاماً خاصاً يرعى توقف المصارف عن الدفع.. طالما تتداخل أحكامه مع نظام الإفلاس..؟! وعليه فمبرر ذلك نصت عليه المادة ١٩ من القانون ٦٧/٢ حيث لا يكون جائزاً للدائنين تقديم طلب بشهر إفلاس المصرف المتوقف عن الدفع أما في نظام الإفلاس فقد نصت المادة ٤٦٤ من القانون التجاري على أنه “منذ تاريخ ايداع الطلب الى ان يكتسب قرار تصديق الصلح صيغة القضية المحكمة لا يحق لأي دائن بيده سند سابق لتاريخ القرار أن يباشر أو يواصل معاملة تنفيذية او أن يكتسب أي حق إمتياز على أموال المديون أو ان يسجل رهناً عقارياً، وإن فعل كان عمله باطلاً. وهنا تأتي أهمية التشريع الخاص الذي يرعى توقف المصارف عن الدفع إذ يجب على المحكمة عند تقديم الطلب من حاكم البنك المركزي أو من قبل المصرف المتوقف عن الدفع أو من أحد الدائنين وخلال ٤٨ ساعة أن تقرر في غرفة المذاكرة تعيين مدير مؤقت من ذوي الخبرة في الشؤون المصرفية أو المالية لتصريف أعمال المصرف العادية واتخاذ التدابير الإحتياطية تحت إشرافها المباشر حتى تعيين لجنة إدارة جديدة. ماذا عن الحكم القاضي بتوقف المصرف عن الدفع..؟ إن تقديم طلب إعلان التوقف عن الدفع للمحكمة المختصة يعطيها سلطة تقديرية بتوفر أو عدم توفر شروط توقف المصرف عن الدفع وإن رأي حاكم المصرف المركزي لا يلزمها، فإذا تأكدت من صحة الطلب أصدرت حكماً معجل التنفيذ أعلنت بموجبه هذا التوقف وتاريخ هذا التوقف وتقضي ايضاً بكف يد أعضاء مجلس إدارة المصرف اللبناني وتنحيتهم (وجوباً) أو مديريه المحليين إذا كان أجنبياً.. أما الحكم فيكون قابلاً للطعن لعدم اشتمال القانون ٦٧/٢ على نص مخالف وذلك الطعن يكون وفق الطرق المعتمدة في أحكام إشهار الإفلاس أي وفق نص المادة ٤٩٧ من قانون التجارة ” إن هذه الاحكام قابلة للاعتراض والاستئناف وكذلك جميع الاحكام التي تصدر في المواد الافلاسية، ما لم يكن في هذا القانون نص مخالف. ان مهل الاعتراض تكون على السواء ثمانية ايام ومهل الاستئناف خمسة عشر يوما ابتداء من تاريخ الاحكام، على ان المهل المختصة بالاحكام الخاضعة لمعاملات الالصاق ونشر الخلاصة في الجرائد تبتدئ من يوم اتمام هذه المعاملات. وتفصل محكمة الاستئناف القضية في ظروف ثلاثة أشهر على أن الاعتراض والاستئناف المقدمين من قبل المفلسين لا يكون لهما في حال من الاحوال مفعول موقف”. بعد صدور الحكم المعجل التنفيذ كما قلنا فيما سبق ترفع يد المصرف عن إدارة أعماله بعد تنحية مديريه وأعضاء مجلس إدارته وممثليه فتتوقف جميع الدعاوى وإجراءات الدائنين الفردية وتسقط آجال الديون أما الفوائد فيتوقف سريانها ، كما وينشأ تأميناً إجبارياً على جميع العقارات المملوكة من المصرف المتوقف عن الدفع لمصلحة دائنيه وذلك منذ تسجيل الحكم في صحائف العقارات. وهنا تبعاً لتداخل وضعية التوقف عن الدفع مع وضعية إشهار الإفلاس وعدم إشتمال القانون ٦٧/٢ على كامل الإجراءات الكفيلة بصون الحقوق ما يؤدي للرجوع إلى قواعد قانون التجارة البرية ما يستتبع تطبيق قواعد البطلان الخاص بفترة الريبة (بطلان الأعمال والتصرفات التي قام بها المصرف) وذلك بعد التثبت من عجز المصرف نهائياً عن الإستمرار بأعماله. النقطة الأهم في حكم التوقف عن الدفع تبقى في مساعدة المصرف على معاودة نشاطه وليس التصفية بداية كما يشتمل حكم الإفلاس لذلك فإن القانون رقم ٦٧/٢ ألزم تعيين لجنة إدارة جديدة للمصرف تحل محل مجلس الإدارة المقرر تنحيته.. أما مهمّة هذه اللجنة فتكون إدارة المصرف لمدة ستة أشهر والسعي لإستئناف أعماله.. وزيادة في الحرص على دعم المصرف للنهوض مجدداً، قامت الحكومة اللبنانية بتاريخ ٥ آب ١٩٦٧ بسن مرسوماً إشتراعياً حمل الرقم ٤٤ الذي عدل بعض أحكام القانون ٦٧/٢ والذي أجاز إنشاء لجنة جديدة عند إنتهاء مدة الستة أشهر المحددة في القانون الأخير وأعطاها شهران إضافيان بسلطات أجزل لدعم مركز المصرف ومعاودته لنشاطه من جديد. أمَّا مهام لجنة الإدارة بحسب القانون ٦٧/٢ فتكون كما أشرنا في السابق ممارسة مهام مجلس إدارة المصرف كما وسلطات جمعية المساهمين وجماعة دائني المصرف المعني وكل ذلك تأميناً لمصالح المصرف وأصحاب الحقوق وموجوداته. مع التنويه أن اللجنة يمكنها الإستلاف من مصرف لبنان لتمويل المصرف المتوقف عن الدفع تمهيداً لإعادة تفعيله، كما ويمكنها تقرير زيادة رأس المال أيضا بالطرق العادية عبر عقد جمعية عمومية غير عادية توخياً لذلك. لقد استثنى القانون ٦٧/٢ المودعين من حق التصريح للجنة الإدارة وحصرها بالدائنين وأصحاب الحقوق مع تقديمهم لتصاريحهم خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إعلان حكم التوقف عن الدفع في الجريدة الرسمية تحت طائلة سقوط الحق والدين معاً.. ولكن ماذا عن المودعين..؟ لقد أعطى المشترع ضمانتين للمودعين واحدة في المرسوم الإشتراعي رقم ٦٧/٤٤ وأخرى من خلال القانون رقم ٦٧/٢٨ المعدل الذي أنشأ المؤسسة الوطنية لضمان الودائع، وسوف نأتي على ذكر الحالتين تباعاً. لقد منح المرسوم الاشتراعي رقم ٦٧/٤٤ لجنة اخرى أو ثانية بعد تقديم اللجنة الأولى لتقريرها في نهاية مهلة الستة أشهر الممنوحة لها، وعلى خلاف اللجنة الأولى تكون اللجنة الثانية منشأة بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء وتعطى مهلة شهرين وتكون مؤلفة من حاكم مصرف لبنان رئيساً ورئيس مجلس شورى الدولة ومدير عام وزارة المالية ورجل قانون وخبير مالي، أما مهامها فتكون أوسع من اللجنة الأولى بمحاولة أخيرة لتدعيم مركز المصرف لمعاودة نشاطه ولذلك يكون لها صلاحية الجمعية العمومية غير العادية فتقترح حلولاً سريعة تأميناً لمصالح أصحاب الحقوق تصل لحد بيع المصرف ووضع الإتفاق الآيل لذلك وإن لم تفلح تحل مكانها لجنة التصفية سنداً لنص المادة ١٢ من القانون ٦٧/٢ والمادتين ١ و٢ من المرسوم الإشتراعي ٦٧/٤٤. التصفية تقررها المحكمة المختصة وذلك سنداً لتقرير اللجنة المنشأة بموجب القانون ٦٧/٢ أي اللجنة الأولى الإلزامية والتي تقر عدم قابلية المصرف المتوقف عن الدفع معاودة نشاطه، هذا إذا لم يتم تعيين اللجنة الإختيارية المنصوص عنها في المرسوم الاشتراعي ٦٧/٤٤ أو عدم تمكن تلك الأخيرة في مهلة الشهرين المعطاة لها من إعادة مركز المصرف المالي لمكانته، هنا تحدد المحكمة تاريخ التوقف عن الدفع وترجعها لفترة أقصاها ١٨ شهراً قبل صدور حكم إعلان التوقف عن الدفع سندا لنص المادة ٤٩٥ من قانون التجارة (فترة الريبة) وهنا يمكن إبطال التصرفات الحاصلة خلالها بناء على نص المادة ٥٠٧ من قانون التجارة بعد نشر هذا الحكم اصولاً ، هنا يتم تعيين لجنة تصفية من ستة أعضاء. أما لجنة التصفية فيمنحها المرسوم الإشتراعي ٦٧/٤٤ إختصاص إنشاء شركة جديدة تحل مقام الشركة المصرفية وبموافقة المحكمة المختصة تنشأ من أصحاب الديون والمودعين ويكونون مساهمين فئة أولى فيعطَون أسهماً بنسبة ديونهم وودائعهم ، أما أصحاب الأسهم في المصرف فيكونون مساهمين في الشركة المنشأة، مساهمين فئة ثانية بأسهم تمتع ذات قيمة بما يفيض عن حقوق مساهمي الفئة الأولى أي أن الإجراءات تكون وفق ما يلي: في حال بقي موجودات بعد دفع حقوق مساهمي الفئة الأولى يتم تشكيل مجلس إدارة يختاره مساهمو الفئة الثانية ويتابع الإستثمار لمصلحتهم. وفي الخلاصة يتم بنهاية كل سنة وضع ميزانية لعمليات التصفية والإستثمار ويتم توزيع نتاجها على المساهمين من الفئة الأولى حتى دفع كامل حقوقهم وتلغى أسهمهم. بذلك يكون المودعون قد حصلوا حقوقهم.. بتاريخ ٢٠٠٤/١١/٢٠ صدر القانون رقم ٦٢٨ الذي نص في مادته الأولى على أن تنقل حكماً متابعة أعمال تصفية أي مصرف من المصارف التي يعلن توقفها عن الدفع استنادا الى أحكام القانون رقم ٦٧/٢ الى المؤسسة الوطنية لضمان الودائع المنشأة بموجب القانون رقم ٦٧/٢٨ اذا مر ثلاث سنوات على تعيين لجنة التصفية المنصوص عليها في المادة ١٢ من القانون رقم ٦٧/٢ المذكور دون أن تنجز اعمال التصفية هذه. السؤال الذي يطرح هنا، ما مصير السريّة المصرفيّة إبان التصفية..؟
تبقى السريّة المصرفيّة قائمة فقط أمام لجنة الإدارة التي تحاول الحفاظ على مركز المصرف ومساعدته لمعاودة نشاطه الطبيعي أما أحكام السريّة المصرفيّة فيتم رفعها لدى لجنة التصفية حيث يستلزم الأمر الكشف عن أسماء الدائنين والمودعين على السواء .وتبعاً لنص المادة الثانية من القانون رقم ١٩٧٠/١٤ (إفادة بعض المؤسسات المالية من أحكام القانون رقم ٦٧/٢٨ (ضمان الودائع) : تعتبر جميع الأموال الثابتة والمنقولة العائدة للمؤسسات التي قد توافق الهيئة المصرفية العليا على تصفيتها الذاتية ولأصاحابها ولأعضاء مجالس إدارتها مؤمنة ومرهونة لصالح الخزينة وذلك فور صدور قرار الهيئة المذكورة، ويعتبر جميع هؤلاء الاشخاص أنهم تنازلوا عن التذرع بأحكام القانون الصادر في ١٩٥٦/٩/٣ المتعلق بسريّة المصارف . هل تترتب على مدراء المصرف المتوقف عن الدفع وأعضاء مجلس إدارته أية مسؤولية..؟ طبقاً لنص المادة ٢٠ من القانون رقم ٦٧/٢ تبقى نافذة بحق أعضاء مجلس الإدارة ومفوضي المراقبة ومدققي الحسابات وسائر المسؤولين جميع الأحكام المتعلقة بمسؤوليتهم المدنية والجزائية وهنا فإن مروحة المسؤولية بالنسبة لأحكام توقف المصارف عن الدفع أشمل من تلك المقررة لإشهار إفلاس الشركات المساهمة، إذ أن المسؤولية تشمل المذكورين فيما سبق والموجودين في أية مسؤولية بتاريخ التوقف عن الدفع وخلال ال ١٨ شهراً السابقة لذلك سنداً للمادة ١٣ من القانون رقم ٦٧/٢ .. كما وتترتب مسؤوليتهم عن الأفعال التي قد ارتكبوها أثناء قيامهم بمهامهم مثل نشر الموازنات المغلوطة والأنصبة الوهمية والبيانات الكاذبة، ويكون لكل من النيابة العامة (الدعوى الجزائية) والمدير المؤقت ولجنة الإدارة (دعوى المسؤولية المدنية) وجوباً ولزاماً رفع دعاوى المسؤولية سنداً للمادة ١٤ من القانون. ولحسن إنفاذ ما ذكر نصت المادة ١٣ على أن جميع الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة للأشخاص المسؤولين السالف ذكرهم تعتبر محجوزة إحتياطياً منذ صدور حكم إعلان التوقف عن الدفع، وهنا لحظ القانون وجوب تقديم مسؤولي إدارة المصرف تصاريح بممتلكاتهم خلال شهر إلى اللجنة من تاريخ قرار تعيين مدير مؤقت للمصرف. بناءً على كل ما فصلناه قانوناً في دراستنا، ومن باب الحرص على حقوق المودعين، هل من ضمانة فعليّة لهولاء..؟ كان لبنان أول دولة عربية قامت بتشريع نظام قانوني لحماية المودعين، عبر إنشاء المؤسسة الوطنية لضمان الودائع بموجب القانون رقم ٦٧/٢٨. لكن حماية المودعين يجب بها أن تأتي على مستويين الأول عبر المؤسسة الوطنية لضمان الودائع والثاني من خلال الاحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان المركزي، ذلك أن هدف المؤسسة هو ضمان حسابات الودائع بالعملة اللبنانية وفقاً لقانون ضمان الودائع لدى المصارف العاملة في لبنان، وفعلياً أصبحت الضمانة تشمل لغاية مبلغ ٧٥ مليون ليرة لبنانية، بعدما كانت تقتصر على خمسة ملايين ليرة رأسمالاً وفائدةً. فكيف سيتم تقييم هذه الضمانة بالعملة الوطنيّة أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية، في ظلّ عدم ثبوت سعر الصرف موحد، وتدخل مصرف لبنان وخلقه بتعاميمه المتتابعة أكثر من سعر صرف في السوق.!؟ صحيح أن المصارف اللبنانية واقعة في أزمة سيولة لا أزمة ملاءة لكن النتيجة واحدة، فالتعويل ما زال على السّلطة الرقابيّة التي عليها التدقيق بوضع كل مصرف، وسلامته من حيث الملاءة والحَوكمة والسيولة وتقيده بالقوانين وتعاميم المصرف المركزي، واليوم على كلّ مودع أن يتحمّل مخاطر هذا المصرف فلا حماية لودائعه إلا ضمن سقف معيّن ولصغار المودعين كما وعند حصول أزمة لعددٍ قليل من البنوك، وليس بحالة أزمة على صعيد القطاع المصرفي كالتي نشهدها اليوم، فالمودع صاحب الودائع الكبيرة لا ضمان لودائعه غير سلامة الوضع المصرفي فقط. اليوم تقتصر علاقة المودعين مع البنوك العاملة بمستوى ودائعهم لديه، التي احتجزتها ووضعت يدها عليها منذ أواخر العام ٢٠١٩ وفرضت إجراءات أفقدتها نسباً كبيرة من قيمها، وأعدمت الثقة تماماً بين الطرفَيْن. وفي الختام، مع مراعات نظام توقف المصارف عن الدفع فإن مصرف لبنان ومنذ العام ١٩٩٣ قد اعتمد قانون الدمج المصرفي، ويلجأ من خلاله إلى التصفية الذاتية أو الدمج، كي لا يخسر الناس ودائعهم، أما المؤسسة الوطنية لضمان الودائع التي تملكها المصارف ويعود للدولة فيها حصة معينة، فعندما تكون الأزمة على مستوى القطاع ككلّ والدولة، فأي ضمان للودائع وأي مؤسسة وطنية لضمان الودائع المصرفية قادرة على ضمان الودائع في ظل التسابق بين الحكومة ومصرف لبنان على هدر وصرف ما تبقى من أموال المودعين على سياسة دعم فاشلة..؟!
جبيل في ٢٠٢١/١١/٢٨ المحامي زياد قزحيا فرام