منذ لحظة دخوله للمتجر متفحصاً البضاعة، يعمد المستهلك للحصول على أرخص سعر بأعلى جودة، أما البائع فإنه يريد البيع بأعلى سعر ممكن مقابل التخلّص من البضائع الرديئة..
وتبدأ هنا لعبة المساومة والجدل حول السعر، أمَّا الرابح فيكون ذلك الذي يستطيع توقع حركات الآخر، إذ عندما يتوقع المستهلك بأنه إذا خرج من المحل دون الشراء سيجري وراءه البائع سيكون رابحاً إن صح توقعه وخاسراً إن لم يصح..
تدعى تلك النظريّة نظريّة الألعاب( Game theory)، وتعرف بأنها وسيلة من وسائل التحليل الرياضي لحالات تضارب المصالح للوصول إلى أفضل الخيارات الممكنة لاتخاذ القرار في ظل الظروف المعطاة لأجل الحصول على النتائج المرغوبة.
ألعلَّها نظريّة ما ستؤول إليه الأمور بالنسبة للإستحقاق النيابي..!!
حسابات جديدة تختلف عما سبقها ما بين السلطة المحلية والمجتمع الدولي، فكل المؤشرات ازدادت رداءتها و سوداويتها.
رهانات كبرى سقطت في خضم خلط الأوراق الإقليميّة وبروز معترضين على التسوية الأحاديّة.
أما داخلياً، فالعديد من القوى بدلت رؤياها للمواضيع الشائكة..
أما بعد، فأزمات عسيرة ستصطدم بها القوى الرابحة إن سلمنا جدلاً بحصول الإنتخابات:
أزمة مصرفيّة جديّة مع نفاذ إحتياطي مصرف لبنان.
أزمة توقف بعض المصارف عن الدفع تحت ذرائع عدة.
أزمة ثقة بالقطاع العام، والمؤسسات الدستوريّة التي ما استطاعت لحل المشاكل سبيلا.
أزمة تمويل الإستيراد، يقابله شح البضائع.
أزمة أخلاق وطنيّة وإهانة للقانون وأصحاب الودائع والثروات.
أزمة إذلال الجسم القضائي والحقوقي.
تداعيات كبرى في ظل إدارة زائفة للأزمة، تفرض طرح هاتين الإشكاليَّتين : من الخاسر من تأجيل الإستحقاق الإنتخابي بالمقابل، من يضمن الربح الإضافي أو عدم الخسارة في حال حصوله..؟
أما فكّ اللغز يوجب شرطين: إما أن المجتمع الدولي يريد تثبيت شرعية أخصامه، أو أنَّ هذه الإنتخابات لن تحصل..!!
ولماذا يريدها إذاً، لقدسيتها..؟؟
أليست أيضاً المصالح هي التي تحرك هذا المجتمع..!؟
من يتعمَّق في تحليل المعطى الداخلي يستنتج أنِّ الحفاظ على التوازن السياسي سيكون مقابل تأجيل الإنتخابات والترسيم..!!
نعم، إنَّ الترسيم سيرفع أسعار الأصول لأنه سيحسن التوقعات المستقبلية.
السعر هو أساساً عرض وطلب، ولكن السعر أيضا يقوم على التوقعات المستقبليّة حيث تقوم هذه التوقعات في حال كانت إيجابيّة بسحب منحنى الطلب بكامله صعوداً والعكس بالعكس.
لقد أدى إنهيار لبنان وانسداد الآفاق وغياب الخطط الاستراتيجية للخروج من الأزمة والنمو بجعل الأسعار تتحرك نزولاً في كافة نقاط منحنى الطلب خاصة أنها أضيفت إلى تراجع السيولة الضرورية لدعم شراء الأصول.
سوف يقوم ترسيم الحدود أو أي خرق كبير باتجاهه بتحويل نظام التوقعات من السلبيّة إلى الإيجابيّة مما يعيد سحب منحنى الطلب على الأصول وبخاصة العقاريّة منها صعوداً ويؤدي على المدى الطويل لإعادة بناء الثروات التي تقلّصت في المرحلة السابقة بشكل جذري بفعل ضياع الودائع وركود القطاع العقاري.
أضِف أنَّ التاجيل سيحفظ المراكز للأحزاب قبل اضمحلال ثمثيل الأحزاب وتقلص دورها (فلنستعد حديث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في بيروت عام ٢٠١٩ حول نهاية دور الاحزاب السياسيّة)
فحتى أكثر الأطراف تماسكاً، ستحافظ على حجمها ولن تكسب أو تزيد.
ومن يستطيع التوقع سيدرك أنَّ من يريد حصول الإنتخابات لن تنفعه، ومن لا يريدها سينتظر لحظة المساومة كي تصل لذروتها ليستفيد من عدم حصولها..