يا من تَعيشون في عنق الزّجاجة مهلكم قليلاً، وانظروا.. ألا تفتقدون شيئاً من قيمكم، من فرحكم، من لذّة عيشكم الوادعة، من معاني الحياة.. إنه، ما لا يستطيع المال شراءه .
ربّما ينسى المرء تفاصيل يوميّة قد لا تؤثّر بعمق سلوكيّاته، أو لأنَّها لا تعني له بقدر الحياة التي يتوخّاها.. أما أن تصير بعض الأمور هواجس ساخطة تكبّل أسلوب حياته وفكره و طموحه، فهذا حتماً معيار الأحوال.
لقد تبدّلت القيَم ومستوى إدراكها حتى صار المال معيار السّعادة، لدرجة التغاضي عن التمتع وعيش الأفراح الصغيرة، على أمل عيش سراب البهجة الكبرى..!!
أين العدالة الإجتماعية في توزيع أدوار الأفراد للحصول على ما يستحقونه في المجتمع، وماذا عن أولئك الذين لم تسنح لهم الظروف بامتطاء جواد الحداثة.. فهل أصبحوا دون المستوى الإجتماعيّ ..؟!
نسأل دوماً عن الأحوال، عن المال، والجمال.. وقد تجاهلنا السّلوك، حتى نسينا أنّ الحياة هي القيمة والإنسانيّة هي المُرتَجَى ..
أمّا أن يكون الأثر الذي تتركه المادّة في حياة البشر، هو الأهم..؟! فهنا يكمن لب الموضوع.
وإزاء العصرنة الحديثة قد يطرح هذا العنوان في حاضرنا موضوع ” إدراك القيمة ” (value perception) من زاوية المفهوم الإقتصادي والمنظار السيكولوجي، أي ما يعرف بالقيمة التي يعوّل عليها المرء وبالمفهوم الإقتصادي ( العميل) ، وهي الفرق بين تقييم العميل المحتمل لفوائد وتكاليف المنتج بالمقارنة مع الآخرين .. حيث مصادر القيمة ليست مهمة بنفس القدر لجميع المستهلكين.
ما نقصده هنا ليس مجرّد خلط للمفاهيم، بل التبدّل العمودي لها وحلولها مكان سابقها، وقد استبدلتها الظروف وانتهجتها السّلوكيّات الماديّة في المجتمع المعاصر حيث تداخلت مفاهيم الإقتصاد في كافة نواحي الحياة والسّلوكيّات حتى الأفكار والمُثل، إلى أن أصبحت القيم تكتنفها النزعة الماديّة و التملكيّة بغية السّيطرة..ل
قد أصبح المجتمع بالمفهوم الواسع عبارة عن سوق للقيم على اختلاف أنواعها حيث العرض والطلب يؤثران بطرح أي منتج جديد وقد يتطلّب دراسة القيمة المتصوّرة والمرجوّة أي المفاضلة بين الفائدة المتوخاة والسعر المطلوب حتى ذابت شخصيّة العميل ( الشخص) في بحر المال والتسويق..
..أن يصبح الفرد هو سلعة قيميّة تخضع لمعيار السّوق، فهذا ما تنتهجه المفاهيم المعاصرة حيث قيَم المال تطبع الأحوال، لتؤثّر الأشياء الماديّة في النفس الإنسانيّة بشكل ملموس..
فهل أنَّ هذا التحوّل هو انتصار للفلسفة المادية على تلك المثالية من حيث تكوين الواقع و منشأه..؟؟
أعيدوا النظر فربّ نُدرةٍ تستتبع انهيار القيَم..