لقد نصَّ قانون النقد والتسليف وانشاء المصرف المركزي المنفذ بمرسوم رقم ١٣٥١٣/١٩٦٣ تاريخ : ١٩٦٣/٨/١ المنشور بالعدد ٦٤ من الجريدة الرسمية تاريخ ١٩٦٣/٨/١٢ صراحةً في المادة ٤١ منه أنه: تنشأ في وزراة المالية ” مفوضية الحكومة لدى المصرف المركزي”. يدير هذه المصلحة موظف برتبة مدير عام يحمل لقب مفوض الحكومة لدى المصرف المركزي. فيما الأهم ما قد جاء في المادة ٤٣ التي تنص على أنّ : تبلغ فوراً الى المفوض قرارات المجلس وله خلال اليومين التاليين للتبليغ ان يطلب من الحاكم تعليق كل قرار يراه مخالفا للقانون وللانظمة ويراجع وزير المالية بهذا الصدد واذا لم يبت في الأمر خلال خمسة أيام من تاريخ التعليق يمكن وضع القرار في التنفيذ. من هذا المنطلق اتى البعض يعيب على مفوض الحكومة عدم تدخله لتعليق قرار الحاكم برفع الدعم أو حثه على استعمال صلاحيته الممنوحة في المادة ٤٣ ، لكن أمام كل هذا، يطرخ السؤال اليوم هل أن هكذا قرار فيه مخالفة للقوانين والأنظمة، أو أنه مسند قانوناً فيما يتعلق بعدم المس بالإحتياطي الإلزامي..!؟ هذا ما سوف نوضحه.. بدايةً، الاحتياطيّ الإلزامي هو النسبة المحدّدة من أموال المودعين التي تُلزَم المصارف في إيداعها في حساباتها لدى البنوك المركزيّة، وهي تشكّل احتياطياً لتلبية طلبات السحوبات النقديّة.. يشكل هذا الإحتياطي الإلزامي ضمانة الملاءة لكافة المودعين، تحسّباً لأي تقلّب. إذ هو الإجراء الاحترازيّ وصمّام الأمان الذي يقوم به أيّ مصرف مركزيّ لحماية المودعين. فحماية أموال هولاء تقتضي قبل كل شيء الحفاظ على احتياطيات مصرف لبنان السائلة المقدرة بما يقارب ١٥ مليار دولار اليوم. وبالعودة لقانون النقد والتسليف اللبناني هناك نوعان من الإحتياطي الإلزامي: لقد نصَّ القانون في المادة ٧٦ منه على الإحتياطي الإلزامي المتغيِّر، والذي يؤمن الانسجام بين السيولة وحجم التسليفات. والذي يختلف عن الإحتياطي القانوني الثابت، الذي يضاف أساساً لرأسمال البنك من الأرباح السنويّة، المنصوص عنه في المادة ١٣٢ من ذات القانون والتي حدّدت بنسبة ١٠% من الأرباح السنويّة الصافية للمصارف والذي يشكل موضوع اهتمام الرأي العام والشغل الشاغل ومحط أنظار أهل السلطة اليوم.. وقد ألزمت المادة ٧٦ من قانون النقد المصارف بأن تودع لدى المصرف المركزي أموالاً (إحتياطي أدنى) حتى نسبة معينة من التزاماتها الناجمة عن الودائع والاموال المستقرضة التي يحددها “المصرف” باستثناء التزاماتها من النوع ذاته تجاه مصارف اخرى ملزمة أيضا بإيداع الاموال الاحتياطية هذه. حيث يمكن للمصرف المركزي في الحالات الاستثنائية ان يفرض نسباً خاصة دون التقيد بالحدود الآنفة الذكر على ما يزيد من هذه الالتزامات. كذلك ألزم المصارف بأن تودع لديه أموالاً تسمى (إحتياطي أدنى خاصّ) حتى نسبة معينة من الموجودات التي يحددها المصرف. أما نص المادة ١٣٢ من قانون النقد والتسليف فقد ألزم كل مصرف لبناني ان يكوِّن مالاً احتياطياً باقتطاع ١٠ % من ارباحه السنوية الصافية.(الإحتياطي الإلزامي الثابت). وفي ما عدا حالات الضم او الدمج او تحويل فرع مصرف اجنبي الى شركة مغفلة لبنانية يجب ان يحرر رأسمال المصرف اللبناني نقدا لدى مصرف لبنان. الا انه يجوز بعد موافقة مصرف لبنان تحرير نصف الرأسمال عينا بعقارات ضرورية لاستثمارات المصرف. فيما لا يجوز لأي مصرف لبناني أن يخفض رأسماله المصرح به وان يسترد اي جزء منه. إذن وبالإستناد للنص القانوني وما صدر من قرار عن الحاكم المركزي بعدم إمكانية إستمرار الدعم لا يمكن معه أن يكون موضوع تعليق من قبل مفوض الحكومة حسبما أنيط به من صلاحية تعليق كل قرار يراه مخالفا للقانون وللانظمة. وبناءً على كل ما أسلفنا عرضه فإن أي تخفيض في الاحتياطات يستوجب قانون لتعديل قانون النقد والتسليف، إلا أنه سيضع على المحك الودائع بالعملات في القطاع المصرفي، ما يفرض على السلطات وقف أي استنزاف لهذه الاحتياطات مهما كانت الوجهة. رأي شخصي: لقد تجاوز المصرف المركزي الدور الجترح له قانوناً حيث جُعل منقذ الحكومة في أزماتها ومموّل المشاريع والمُقرض الوسيط، متقمصاً دور العرّاب الرئيسي لسلطة رأس المال النيوليبرالي حتى الثمالة وفقدانه أدنى مخزونه القومي، بعد أن أثقل كاهله عجز المالية العامة وشلل الإقتصاد العام. إنَّ سياسة الدعم المهلكة أفقدت لبنان مناعته، و غيّبت مبادرات أبنائه الإنتاجيّة وشجعت الخمول والإحتكار في ظلّ تضارب في الخطط بين مختلف الحكومات وتعاقب الوزراء الغير إختصاصيين وتراكم المحسوبيّات والزبائنيّة، في أمام محاسبة كفيفة بكماء لا يد لها ولا قوّة.. من هنا برزت المحاباة واستغلال السلطة أمام مختلف التحديات التي يُثيرها موضوع الدّعم الحكومي خاصّة المباشر منه. إحدى وثلاثون سنة، وليس هناك من قطاع يقيت نفسه، وليس من خطة مستدامة تموِّل ذاتها.. لسنواتٍ مديدة، سُيِّب المواطنون لقمة سائغة لأنموذج فاشل، في ظل عجز الحكومات عن توفير خطّة بديلة تقيهم شرّ الغرق، وأخفقت حتى بخلق رابطٍ إجتماعيّ وطنيّ تعاضديّ، فكانت حقوق النّاس مرتكزاً لاتكاليّة مستدامة على سياسة الدعم. تلك السّياسات الخاطئة التي ضربت رحم الإنتاحيّة التقليديّة ولم تكتفِ بجعل البنية الماليّة هشّة فحسب، بل سارت على خطط الإستدانة كركيزة للنهوض بمشاريع الحكومات باجتراح مديونيّة جديدة بغياب دعم الإنتاجيّة الملحّة. نعم لرفع الدعم.. حيث ما نفع لغير السرقة والتهريب والإحتكار. إن فكرة الدعم أساساً قد شلَّت إقتصاد السوق و تأثير العرض والطلب على تحديد السعر والجودة.. نعم لرفع الدعم، وليُترك للمنافسة تحديد حجم الإنتاج والإستهلاك. لنرفع الدعم كلياً اليوم قبل الغد ولنتحوَّل رويداً نحو الإقتصاد الإنتاجي، أو بالحد الأدنى نحو استهلاك الأولويات دون الكماليات.. عندها لن يعود هناك هوامش للإحتكار والتهريب والسرقة.