يناقش هذا المقال دستوريّة طلب فخامة رئيس الجمهوريّة بإعادة مشروع تعديل المرسوم رقم ٦٤٣٣ لمجلس الوزراء.
يهدف هذا المرسوم إلى تحديد حدود المنطقة الاقتصادية البحرية الخاصة بلبنان.
الأمر الإشكالي الذي أغفله طابخو دستور الطائف سهواً أم قصداً، يمكن فهمه من خلال لغز المقاربة التالية: كيف يعقل أن يكون امتناع وزير عن توقيع مرسوم بالرغم من موافقة مجلس الوزراء عليه يمنع صدوره..!! ، في حين أنّ رئيس الجمهورية ملزم بالتوقيع و خلال مهلة محددة دستورياً، ليعتبر ذاك المرسوم صادراً حكماً دون توقيعه..!؟
إنَّ قرار رئيس الجمهوريّة بإعادة مشروع تعديل المرسوم المعني وقبل توقيعه ،إلى الحكومة.. ذلك نابع أولاً من حقه الدستوري (المواد ٥٦ ، ٥٧ و ٥٨ من الدستور اللبناني )
ثانياً، إنَّ مشروع تعديل الحدود الجنوبية له من أثر بالغ على ثروات لبنان وسيادته ومستقبله الإقتصادي والسياسي وأمنه الوطني و وظيفته.. وبالتالي يستوجب إجماعاً وطنياً يفترض أن تؤمنه التوازنات الحكوميّة. وبما أن الدستور اللبناني في الماد ٦٥ منه أناط بمجلس الوزراء وضع السّياسة العامّة للدولة في جميع المجالات، ووضع مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية واتخاذ القرارات اللازمة لتطبيقها..
وبما أنَّ انعقاد المجلس أمر جائز دستورياً سنداً لرأي مجلس شورى الدولة، “إذ يمكن للحكومة المستقيلة “القيام بالأعمال التي لا ترتبط بسياسة الدولة العليا والتي ليس من شأنها تقييد حريّة الحكومة اللاحقة في انتهاج السّياسة التي تراها أفضل…” (مجلس شورى الدولة، قرار رقم 700 تاريخ 15/5/1995، منصور حنا هنود/الدولة).
أما قول رئيس الحكومة المستقيل بعدم مشروعيّة ودستوريّة إجتماعها هو مردود شكلاً إذ أن تفسير رئيس مجلس الوزراء للدستور لا يتمتع بأيّ قوّةٍ قانونيّةٍ لتلزم باقي المؤسّسات..
أضف أنَّ سلطة مجلس شورى الدولة الرقابيّة عند استقالة الحكومة كما وفي حال اعتبارها مستقيلة تتسع لتشمل ليس فقط المشروعية بل أيضاً مدى وصفه ضمن حدود تصريف الأعمال.
فحتى الأعمال التصرفيّة الإستثنائيّة التي تتعلّق بالنظام العام وأمن الدولة الداخليّ والخارجيّ تسمح للحكومة المستقيلة باتخاذ التدابير الضرورية، ولو أنها تخرج عن تصريف الأعمال، حيث تخضع تدابير الوزارة المستقيلة وتقدير ظروف اتخاذها إياها إلى رقابة القضاء الإداريّ بسبب فقدان الرقابة البرلمانيّة وانتفاء المسؤولية الوزارية..
فتصريف الأعمال يستند إلى مفهوم المصلحة الاستمرارية الضرورية للخدمات العامة.. حيث جاء في اجتهاد مجلس شورى الدولة الفرنسي
Considérant qu’en raison de son objet même, et à défaut d’urgence, cet acte réglementaire.. ne peut être regardé comme une affaire courante, si extensive que puisse être cette notion dans l’intérêt de la continuité
nécessaire des services publics – [CE, Ass. 4 avril 1952]
إذن فمجلس الوزراء ملزم بتصريف الأعمال الضروريّة كون هذا التحديد ضروري لإقرار مشروع مُلِحّ (كون ثروات الوطن تحت خطر الضياع)، كمشروع تعديل المرسوم ٦٤٣٣ المتعلق بتحديد حدود المنطقة الاقتصادية البحرية الخاصة بلبنان..